الأربعاء، 8 فبراير 2012


ديوان " حين يغرد طائر الحب " للشاعر سعود الصقري 
·       قبل قرابة السنتين قرأت لهذا الشاعر ديوانه " مرافئ الشوق " ... و كانت لي معه و قفة و قراءة شبه نقدية في مقالة كان عنوانها " مرافئ الشوق .. و أشواق المرافئ "
و اليوم قرأت له هذا الديوان الآخر " حين يغرد الحب " و كان جلياً التطور ، بل  الطفرة النوعية التي أحرزها الشاعر في مسيرته الشعرية ، بما تبدى في ثنايا أبيات قصيده من نضج في التجربة ، و قوة في التعبير ، و رهافة في الحس ، و صدق في المشاعر . و ليس أدل على ذلك من الهمسة الشاعرية الرائعة التي أهداها لجمهور قرائه في مقدمة ديوانه :-
" أيها الجمهور أهديك السلام .... من محب دنف ذاق الغرام
ذاب وجداً ذاب شوقاً و اكتوى ..... بهوى ليلى و لبنى و سهام
فاسمحوا لي إن تعيشوا ساعةً ..... في مروج الورد أو شدو الحمام "
و لقد قبلنا في جذل هديته ، و سمحنا ان نعيش ساعة معه ، و كانت بالفعل في عالم تحفه مروج الورد و تصدح في جنباته البلابل و الحمام .... فتبين لي بعض وجوه المقارنة بين الديوانين .
ففي " مرافئ الشوق " كان الوهج الشعري ، وفي " حين يغرد الحب " كان اللهب ..... هناك كان الصدى ، صدى العواطف و المشاعر في البيان و اللسان ، و هنا كان أصل الصوت الصادر من أعماق النفس و الوجدان .
بالأمس ، في ديوانه مرافئ الشوق ، كان السندباد الذي طوف الآفاق و ارتاد المرافئ و الموانئ و الشطآن ، و لكن على سفين كثير من مجاديفها مستعارة من ربابنة البحور الشعرية ، الأقدمين منهم و المعاصرين .
فهو مثلاً حين قال :- " و لقد ذكرتك و الدموع نوازل
                                                    من فرط بعدك يا سعاد تسمعي
فإنما هو يستوحي الفكرة من قول عنترة :-
و لقد ذكرتك و الرماح نواهل ...... مني و بيض الهند تقطر من دمي "

و حين يقول :" بكيت دماً يوم الفراق و ليتني
                                           أموت و لا تمضي سليمى إلى غيري  "
فإنما هو يستعير فكرة بيت شعر الوليد بن يزيد الذي صور فيه رد حبيبته على عتابه للحناء الذي خضبت به  يدها في غيابه :-
" بكيت دماً يوم النوى فمسحته ..... بكفي فاحمرت بناني من دمي "
و حين يقول " فربي جميل يحب الجمال ... و أنت الجمال كما قد يكون "
فإنما  هو يقتبس قول أبي نواس في عتابه لربه ، إن جاز له العتاب !:
"إلهي خلقت الجمال لنا فتنة ..... و قلت لنا يا عباد اتقوا
" أنت الجميل تحب الجمال ..... فكيف عبادك لا يعشق "
أما اليوم ، فصار شاعرنا طائراً محلقاً في سماوات الشعر و الإبداع ، يتنقل في دوح رياضه الغناء من فنن إلى فنن معتمداً على جناحيه و ما بهما من القوادم و الخوافي .
في " مرافئ الشوق " طربنا لوشوشات الصبى و صهيل خيل ريعان الشباب ،
" فهياَ و هياَ و للحب هياَ ..... و هياً نغني كعزف الوتر "
سوى الحب لالا و لالا و لالا ...و لا .. لا لسواك يزيل الكدر "
و في " حين يغرد الحب " أمتعنا بتجليات سويعات الأصيل و الذكريات التي تنثال  عند وداع الأحبة و الرحيل :-
" أسافر في مساءاتي وحيداً .... فلا ألقى سوى فجر كذوب
فما أشقى الحياة بلا حبيب .... يسافر بي إلى روض قشيب
رحيل زاد من ألمي و همي ... و هجر لم يزد إلا لغوبي
فمن لي بعد ليلى يحتويني .... يخفف لوعتي .. يجلو كروبي "
هنا أقول لشاعرنا كما يقول سكان البوادي لكل ملتاع من الأحبة  :- " يا عونك " فتلك هي طباع الحب يا شاعر ، و تلك سماته و عاداته ... نار تتأجج حيناً ثم تخبو
و زهر يونق أحيناناً ثم يذوي ، و ناياً يشنف الآذان و يطرب الوجدان بعض يوم ثم يخرس تاركاً خلفه صمتاً مدوي .... و احة خضراء وارفة الظلال في صحراء الحياة ، يستريح في أفيائها  ، و يسترجع أنفاسه عابر السبيل الذي سرعان ما يغادرها ليستأنف المشوار بحثاً عن المجهول أو الأفضل و الأجمل في كل الأمكنة  و الأزمنة و الشخوص المتصلة بحياته مسيراً و مصيرا .!!!

زهران زاهر الصارمي
20/6/2009
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق