ديوان " حين يغرد طائر الحب " للشاعر سعود الصقري
·
قبل قرابة السنتين قرأت لهذا الشاعر
ديوانه " مرافئ الشوق " ... و كانت لي معه و قفة و قراءة شبه نقدية في
مقالة كان عنوانها " مرافئ الشوق .. و أشواق المرافئ "
و اليوم قرأت له هذا الديوان الآخر " حين يغرد الحب " و كان
جلياً التطور ، بل الطفرة النوعية التي أحرزها
الشاعر في مسيرته الشعرية ، بما تبدى في ثنايا أبيات قصيده من نضج في التجربة ، و
قوة في التعبير ، و رهافة في الحس ، و صدق في المشاعر . و ليس أدل على ذلك من
الهمسة الشاعرية الرائعة التي أهداها لجمهور قرائه في مقدمة ديوانه :-
" أيها الجمهور أهديك السلام .... من محب دنف ذاق الغرام
ذاب وجداً ذاب شوقاً و اكتوى ..... بهوى ليلى و لبنى و سهام
فاسمحوا لي إن تعيشوا ساعةً ..... في مروج الورد أو شدو الحمام "
و لقد قبلنا في جذل هديته ، و سمحنا ان نعيش ساعة معه ، و كانت بالفعل في
عالم تحفه مروج الورد و تصدح في جنباته البلابل و الحمام .... فتبين لي بعض وجوه
المقارنة بين الديوانين .
ففي " مرافئ الشوق " كان الوهج الشعري ، وفي " حين يغرد
الحب " كان اللهب ..... هناك كان الصدى ، صدى العواطف و المشاعر في البيان و
اللسان ، و هنا كان أصل الصوت الصادر من أعماق النفس و الوجدان .
بالأمس ، في ديوانه مرافئ الشوق ، كان السندباد الذي طوف الآفاق و ارتاد
المرافئ و الموانئ و الشطآن ، و لكن على سفين كثير من مجاديفها مستعارة من ربابنة البحور
الشعرية ، الأقدمين منهم و المعاصرين .
فهو مثلاً حين قال :- " و لقد ذكرتك و الدموع نوازل
من فرط بعدك يا سعاد تسمعي
فإنما هو يستوحي الفكرة من قول عنترة :-
و لقد ذكرتك و الرماح نواهل ...... مني و بيض الهند تقطر من دمي "
و حين يقول :" بكيت دماً يوم الفراق و ليتني
أموت و لا تمضي سليمى إلى غيري "
فإنما هو يستعير فكرة بيت شعر الوليد بن يزيد الذي صور فيه رد حبيبته على
عتابه للحناء الذي خضبت به يدها في غيابه
:-
" بكيت دماً يوم النوى فمسحته ..... بكفي فاحمرت بناني من دمي
"
و حين يقول " فربي جميل يحب الجمال ... و أنت الجمال كما قد يكون
"
فإنما هو يقتبس قول أبي نواس في
عتابه لربه ، إن جاز له العتاب !:
"إلهي خلقت الجمال لنا فتنة ..... و قلت لنا يا عباد اتقوا
" أنت الجميل تحب الجمال ..... فكيف عبادك لا يعشق "
أما اليوم ، فصار شاعرنا طائراً محلقاً في سماوات الشعر و الإبداع ،
يتنقل في دوح رياضه الغناء من فنن إلى فنن معتمداً على جناحيه و ما بهما من
القوادم و الخوافي .
في " مرافئ الشوق " طربنا لوشوشات الصبى و صهيل خيل ريعان
الشباب ،
" فهياَ و هياَ و للحب هياَ ..... و هياً نغني كعزف الوتر "
سوى الحب لالا و لالا و لالا ...و لا .. لا لسواك يزيل الكدر "
و في " حين يغرد الحب " أمتعنا بتجليات سويعات الأصيل و
الذكريات التي تنثال عند وداع الأحبة و
الرحيل :-
" أسافر في مساءاتي وحيداً .... فلا ألقى سوى فجر كذوب
فما أشقى الحياة بلا حبيب .... يسافر بي إلى روض قشيب
رحيل زاد من ألمي و همي ... و هجر لم يزد إلا لغوبي
فمن لي بعد ليلى يحتويني .... يخفف لوعتي .. يجلو كروبي "
هنا أقول لشاعرنا كما يقول سكان البوادي لكل ملتاع من الأحبة :- " يا عونك " فتلك هي طباع الحب يا
شاعر ، و تلك سماته و عاداته ... نار تتأجج حيناً ثم تخبو
و زهر يونق أحيناناً ثم يذوي ، و ناياً يشنف الآذان و يطرب الوجدان بعض
يوم ثم يخرس تاركاً خلفه صمتاً مدوي .... و احة خضراء وارفة الظلال في صحراء
الحياة ، يستريح في أفيائها ، و يسترجع
أنفاسه عابر السبيل الذي سرعان ما يغادرها ليستأنف المشوار بحثاً عن المجهول أو
الأفضل و الأجمل في كل الأمكنة و الأزمنة و
الشخوص المتصلة بحياته مسيراً و مصيرا .!!!
زهران زاهر الصارمي
20/6/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق