الأربعاء، 8 فبراير 2012


تعقيب على ما كتب عن الزواج المؤطر

قرأت ما كتب حول الزواج المؤطر ، لاسيما ما كتبه كل من الأخت شريفة علي التوبية ,والأخ ناصر عبد الله العبري ،والحق أن الموضوع المطروح موضوع خصب المادة دسم , باعث على الإيحاء , مغر بالكتابة عنه ... فمجالاته رحبة وتداعياته متشعبة عديدة ؛ فالحديث عنه , إذن , حديث ذو شجون ؛ خاصة ونحن نعيش عصر النهضة , أو بالأحرى عصر الصحوة ,... العصر الذي بلغ فيه اختلاف الأجيال وصراعها الفكري ذروته , ذلك لان هذه الأجيال المتعايشة اليوم في بلادنا ليست متدرجة أو متسلسلة تسلسل منطقيا في تطورها الفكري وسلوكها الاجتماعي ؛ وإنما هي أجيال تفصل بينها عشرات القرون من حيث انتماءاتها الفكرية وسلوكياتها الاجتماعية والحياتية , ففكر جيل الآباء وسلوكياتهم الاجتماعية والحياتية , ففكر جيل الآباء  وسلوكياتهم ينتمي لعصر ما قبل النهضة , أفكار وسلوكيات القرون الوسطى أو تكاد المتسمة غالبا  بالانغلاق والتقوقع , وبالعصبية القبلية ؛ في حين أن فكر جيل الأبناء وسلوكياتهم ينتمي لعصر النهضة ـ عصر الانفتاح الفكري والسلوكي , القادم عبر وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروءة , وعبر مناهج التربية والتعليم في شتى مؤسسات التربية والتعليم والتدريب ـ فكر وسلوكيات القرن العشرين , المتسمة بالنظرة العلمية للأشياء , وبالمرونة والتساهل في التعامل والعلاقات الاجتماعية.
فالهوة كبيرة إذن بين الجيلين..جيل الآباء الذي تشكل نسبة الأمية في صفوفه أكثر من 80%..وجيل الأبناء المؤلف غالبيته من فئة المثقفين والمتعلمين ـ خريجي الجامعات ـ ومن أشباه المثقفين وأنصاف المتعلمين ـ خريجي المعاهد وحملة الشهادات الثانوية والإعدادية العامة .
فأي حوار , وأي اتفاق منطقي يمكن أن يتم بين مثل هذين الجيلين ؟!
فالأمر كما قال سبحانه وتعالى: " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ؟!
وقديما ضاق شاعرنا المتنبي بحوار الطرشان فقال:
" ومن البلية عذل من لا يرعوي     عن جهله وخطاب من لا يفهم "
ومهما حاول الأبناء إفهام آبائهم بحقهم في حياة مستقلة وفي تقرير مصيرهم واختيار شريك العمر ؛ مهما حاولوا ذلك , فلن يجدوا من آبائهم في الغالب سوى الرفض والزجر والاستهجان , وذلك لانعدام الأرضية التي يقف عليها التفاهم المشترك بين الجيلين أصلا ... فالحال كما قال المتنبي : مرة أخرى,   
" وكم من عائب قولا صحيحا        وآفتـه من الفهم السـقيم
ولـكن تـأخذ الآذان مـنـه        على قدر القريحة والعلوم "
وعليه قد لا أتفق مع الأخت شريفة التوبية ولا مع الأخ ناصر العبري بأن حب الآباء لأبنائهم هو السبب وراء إكراههم على الزواج ممن لا يحبون ؛ وإنما هو في رأيي , الجهل المتبرقع بثوب الحرص على الأبناء , والعصبية الأنانية المتلفعة بثوب الحب والتضحية ... ؛ وأي حب هذا الذي يبرر التعاسة والشقاء , بل وربما أحبانا الضياع والانحراف , الذي يغرق فيه الأبناء من جراء تزويجهم بالإكراه ؟!
على أن النتيجة التي لا مراء فيها , ولا خلاف عليها هي أن جيل الأبناء كان وما زال هو الضحية .
ولقد انقسم هذا الجيل إلى قسمين متميزين في طريقة تعامله مع الواقع وأسلوب مواجهته لرأي الآباء ؛ فقسم اختار المواجهة السلبية , المعبر عنها بالصمت الأخرس المميت ؛ والإذعان والانقياد المطلق لوالديه , وبالتالي القبول الأعمى بأي شيء يقرره الوالدين له ؛ خامدا في أعماقه جذوة الأشواق ... كاتما في صدره صراخ العقل وأنين القلب ؛ محطما بعصا الطاعة رؤى الأحلام الوردية , وآمال الشباب النرجسية , ومن المؤسف أن هذا القسم يشكل الغالبية العظمى من جيل الأبناء .. والأدهى من ذلك هو أنه يفسر طاعة الوالدين , كأمر يحتمه التعقل والتصبر بالأمور , وبأنه رضا بما قسم الله له من نصيب .
ولكن الله بريء مما يفعل الجاهلون , لان الله محبة والزواج الذي يريده هو زواج التراضي والمحبة , لا زواج الغصب والإكراه , فالله يحب أن يكون الزواج زواج دنيا وآخرة ؛ لأنه أبغض الحلال عنده الطلاق , وبالتالي فإن أبغض الزواج عنده الزواج الذي تكون نتيجته الحتمية التعاسة والطلاق , وكل زواج قائم على الغصب والإكراه محكوم عليه حتما بانفصام عروته والفشل .
إن من واجب الشباب المدرك لتلك المعطيات أن يتحلى بقدر من الشجاعة والثقة بالنفس , في أن يقول ؛ لا , حيث ينبغي له أن يقول لا , ونعم , حيث ينبغي له أن يقول , نعم , والشجاعة المطلوبة هنا هي ليست التمرد المطلق على كل العادات والتقاليد الموروثة ؛ وليست معناها العقوق بالوالدين أو الضرب بهم وبآرائهم عرض الحائط جملة وتفصيلا ـ كما فعل ذلك القسم الآخر من جيل الأبناء المعاصر ـ ؛ لا ، ليس ذلك هو المطلوب وإنما هناك بين كل الأشياء في هذه الحياة , نقاط تقاطع تلتقي عندها الأشياء مع بعضها وتندمج , ونقاط انفصال تستقل بها عن غيرها وتتمايز ؛ والمطلوب من أجيالنا المعاصرة , لاسيما المثقفة منها والمتعلمة , أن تساير آباءهم وتتعايش معهم بالحسنى ؛ ولكن في غير ما تبعية عمياء أو انقياد مطلق ؛ لاسيما في الأمور المصيرية التي لها أثر على الحياة المستقبلية , بل ولعل العكس هو المطلوب أيضا , أي أن يكون جيل الأبناء المثقف والمتعلم هو الموجه والمرشد للآباء ؛ يخرجونهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم , أن يكون هو الرائد , حامل المشعل .. مشعل تجديد الحياة ,  وتغيير كل عادة أو سلوك يقف في وجه التطور وإنما المجتمع.
وإلا فما فائدة العلم والمعرفة التي تكسبها ,والتي يحثنا عليها الدين حثا .. وتدعمها حكومتنا الرشيدة دعما ماديا ومعنويا.
" وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم "
أجل أرى أن زمن الزواج المؤطر قد أفل .. أو بالأصح آن له أن يأفل , وذلك بكلمة حق جريئة يقولها المعني بالزواج .. كلمة تدعم قضيتها وتؤكد مشروعيتها القوانين الشرعة والوضعية , خلاصتها في الكلمة التالية :-
والدي العزيزين ؛ حنانيكما بي ورفقا , هذا أحد الخلفاء الراشدين ينصح صحابة الرسول رضوان الله عليهم فيقول لهم : " علموا أبناءكم , ولا تقصروهم على أخلاقكم , فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم "..فأنتما احترامكما على العين والرأس .ولا أنكر أفضالكما علي , وتربيتكما الكريمة أياي ، ولكني في موضوع الزواج , أرجو منكما المعذرة , إن اختلفت معكما في ذلك , لأن الزواج طريق السعادة ؛ وسعادتي أنا أعلم بها منكما أين تكون ,فلن أتزوج إلا من أرتضيه أنا شريك العمر ورفيق الحياة , وأرجو الله أن يوفقني لما فيه رضاه .
فالزواج المؤطر هو بأيدي جيل الأبناء , يبقيه بتبعيته السلبية لجهل الآباء, أو ينهيه بموقف بناء حازم , فيه فلاح الدنيا وصلاح الدين .

زهران بن زاهر الصارمي
7/4/1994 ـ إزكي / إمطي
   

  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق