الأربعاء، 8 فبراير 2012


لبيئة  معاً لحماية ا

       معاً لحماية البيئة . شعار في الصميم ، لأنه يعبر في إيجاز بليغ عن علاقة الإنسان بالبيئة ، ومسؤوليته نحوها تجميلاً وتطويراً وحماية.
       ولكي نفهم في عمق مغزى هذا الشعار وأبعاده لا بد لنا من تسليط الضوء على كلمة وردت فيه ، ألا وهي كلمة "البيئة" .. فماذا يا ترى نعني بهذه الكلمة؟
البيئة هي الوسط أو المحيط الذي نعيش فيه .. أو ببساطة متناهية؛ هي الأرض التي عليها نسير ، جبلاً كانت أو سهلاً ... وهي البيت الذي فيه نسكن ، كوخاً كان أو قصراً ... وهي المكان الذي فيه نعمل ، مصنعاً كان أو حقلاً .. وهي الهواء الذي نتنفس ، عبيراً كان أو عفناً .. وهي مصدر الماء الذي منه نشرب ، نهراً كان أو بئراً ، وهي مصدر الغذاء الذي منه نأكل ، نباتاً كان أو حيواناً ، هي كل تلك الأمور مجتمعةً .. وهي فوق كل ذلك وقبل كل ذلك موجودة وجود الحياة من أزلها إلى الأبد .. فهي شيء موضوعي الوجود لا قبل للإنسان بطمسها أو خلقها من العدم ...
غير أن الإنسان بما آتاه الله من عقل وعلم وتدبير قادر بالتأكيد على تنظيم البيئة وإلباسها ثوبها القشيب.
بمعنى أن الإنسان إن وقف عاجزاً أمام قدره في أن يعيش في بيئة بعينها ، فإن شكل هذا العيش والوجود مرهون به هو ، وفي يده ... تطويره وتشكيله وتلوينه كيف شاء .. فهو ليس قادراً على مجرد التأقلم والتكيف مع البيئة التي يعيش فيها ، بل وقادر أيضا على التأثير في شكلها والحد من تأثيراتها السلبية ، بتحويله الصحراء ، مثلاً ، إلى رياض مزهرة غناء ، وببناء القصر الرفيع بدلاً من الكوخ الوضيع.
والبيئة عملة ذات وجهين ، وسلاح ذو حدين ، تريك ما تشاؤه منها فهي بالقدر الذي فيه تكون منتجعاً لمرضى الهموم والآلام والأحزان ، يمكنها أن تكون مرتعاً ومرتعاً خصباً للأوبئة والأمراض والأدران.
فالطبيعة أو البيئة تكون معك كما تكون أنت معها ، فهي نظيفة بقدر ما أنت نظيف ، وهي قذرة متسخة أو عفنة بقدر ما تلقي أنت فيها من قذارة ووساخة وعفن .. فهي المرآة التي تعكس سلوك الإنسان ، ويرى فيها نتائج أفعاله و ممارساته اليومية.
والبيئة في بكارتها نظيفة وجميلة ، بل وإن الله قد خلق لها منها ما يحفظ التوازن فيها ، فلا يطغى فيها أمر على أمر أو شيء على شيء.
فإن حافظ الإنسان على نظافتها والجمال ، صارت جنة الله في أرضه وصيرت معها بالتالي حياته أنساً وسعادة وفرح.
ولكنه إن أهملها وأدار لها ظهره ولوثها أو شوهها ، قلبت عليه ظهر المجن وحولت حياته جحيماً وسعادته شقاءاً وصحته مرضاً .. وجعلته فريسة لهوام الأرض وحشراتها والجراثيم.
وانطلاقا من هذه الحقيقة ... حقيقة التفاعل الجدلي القائم بين الإنسان والطبيعة .. وأثر كل منها في الآخر ، سلباً وإيجاباً ، أخذت الحكومات لا سيما في العالم المتحضر ، على عاتقها الحفاظ على البيئة وحمايتها من كل ما قد يكدر من صفوها والجمال.
وكانت حكومة صاحب الجلالة ، السلطان قابوس بن سعيد المعظم إحدى الحكومات السباقة في هذا المضمار ، والتي تميزت بوعيها الرصين وعمق الإحساس وصدق المسؤولية إزاء البيئة وضرورة الحفاظ عليها وحمايتها من كل ما قد يلوثها أو يخل بالتوازن الطبيعي فيها. وأكبر دليل على ذلك تمثل في إنشائها لوزارة قائمة بذاتها تعنى بشئون البيئة .. والتي تم دمجها مؤخراً بوزارة البلديات الإقليمية للارتباط الكبير بين مهام الوزارتين .. وبالتالي ليتم التكامل بينها ، لاسيما في مجال إصحاح البيئة وتطويرها.
على أن الحكومة ، أية حكومة في العالم ، مهما بذلت وقدمت .. ومهما كان لها من خالص العزيمة وصادق النية بأن تحافظ على نظافة البيئة وتحميها من التلوث والفساد ، فلن تستطيع ذلك .. ولن تبلغ منه شيئا مذكورا ، إلا إن تعاون معها الجمهور .. ووضع يده في يدها أفراداً وجماعات.
فليست البيئة ملكاً لجهة ما أو شخص بعينه ، وإنما هي ملك للجميع .. ملك لكل من يسكن فيها أو يأويها.
وعليه فإن الحفاظ عليها وحمايتها هي مسؤولية الجميع ، لا مسؤولية فرد أو جهة بعينها ، ولعل هناك من يتساءل ، كيف يستطيع الفرد أن يشارك في إصحاح البيئة وحمايتها من التلوث ؟!
 والجواب على ذلك في غاية البساطة يتمثل في قوله  ( ص  ) كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته". " "
فما على الفرد سوى تنمية روح الإحساس بالانتماء للوطن ، والشعور بالمسؤولية إزاءه ، والغيرة عليه من كل ما يدنس أرضه الطاهرة أو يشوه وجهه الكريم .. هذا الإحساس الذي سيتترجم في شكل ممارسة حياتية صحية سليمة .. وسلوك حضاري رفيع ، يتبدى في حرص كل فرد أو جماعة على وضع كل شيء في مكانه المناسب ، انطلاقاً من وعيهم بأن أجمل الأشياء وأغلاها ثمناً لو وضعت في غير مكانها السليم لشوهت الجمال وأفسدت المكان وربما لوثته ودنسته ، فلا ينبغي أن يرتضي الإنسان لوطنه التشوه والعفن ، ولا لنفسه سوء التصرف و السلوك .
 
زهران زاهر حمود الصارمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق