الأربعاء، 8 فبراير 2012


لولا الأحلام الإنسانية ما كانت الحضارة البشرية

       "بين مثالية الحلم وحقيقة الواقع" عنوان مقال نشر للأخت شريفة التوبي على ظهر هذه الصفحة مؤخراً ، وهو مقال في مجمله يدور ويتمحور حول تلك الحكمة المأثورة القائلة ،
دع الأيام تفعل ما تشـاء            وطب نفسا بما حكم القضاء
       فالأخت شريفة تدعونا في مقالها لأن نرفع الراية (ونهيئ أنفسنا لحياة واقعية كيفما تكون !! لأن الواقع هو الحقيقة الماثلة أمام أعيننا ، والتي لا يمكن تجاوزها لأبعاد أخرى)!! .. وهي بالتالي تشفق علينا من عبثية الأحلام وتناشدنا بأن ننكفئ على ذواتنا (وألا نرهق أنفسنا تفكيرا وحسابا دقيقا لمجريات الأمور) التي لا يتحكم في نتائجها، في نهاية التحليل، سوى الواقع والقدر المكتوب علينا منذ لحظة الميلاد، فمهما حلمنا أو سعينا "فلن نأخذ غير نصيبنا المقدر لنا في هذه الحياة" ، بل وهي تحذرنا من مغبة تجاوزنا لحقيقة الواقع الذي نحياه، إذ عندها "سنعيش أزمة نفسية قاهرة" مردها ابتعادنا عما يجب أن نحيا به أو فيه.
       وهنا لا بد لنا من وقفة نتأمل فيها مدى جدية وسلامة هذا النوع من الأطروحات.
       وبداية ، لكيما يكون حوارنا منظما ومنطقيا، لا بد لنا أن نعرض أولا لمعاني هاتين الكلمتين "الواقع والحلم" فما هو الواقع؟ وما المقصود بالحلم؟!
       أما الواقع ، فهو مجمل الظروف الطبيعية والاجتماعية التي يعيشها الكائن البشري فردا أو جماعة في إطار زمان ما ومكان معين، أي أن الواقع يتكون ويتشكل من عنصرين هما "الطبيعة والإنسان" ، الطبيعة بكل ما فيها من كائنات وظواهر ونواميس موضوعية الوجود أزلية الصيرورة، والإنسان بكل ما وهبه الله من عقل فذ وقدرة فائقة وإرادة صلبة على الفعل ورد الفعل ، على التأثير والتأثر ... على الأخذ والعطاء ... على التفاعل والتواصل بكل ما يحيط أو يصطدم به في مجرى حياته من أوضاع اجتماعية انسانية أو ظروف بيئية طبيعية.

(للواقع "صورة" واطار")
       وعليه، فللواقع صورة وإطار ... فأما إطاره الخارجي فأضلاعه ثابتة دائما وباقية كما هي من أزل الأزل إلى أبد الأبد، لا سبيل إلى تغييرها ولا معنى للحلم بتبديلها أو تعديلها، لأن الحلم لحظتها لن يكون سوى وهم من الأوهام الفنتازية الخرقاء، وأقصى ما يستطيعه الإنسان معها هو محاكاتها آنيا وفي إطار محدود جداً لغرض التكيف معها لا أكثر من ذلك ولا أقل ، وأضلاع ذلك الإطار ، إطار الواقع هي : المكان والزمان والطبيعة والنواميس أو القوانين الطبيعية ذات الشمول الكونية والديمومة السرمدية وأما صورة الواقع فمتغيرة بطبيعتها، دائمة التجدد والتبدل، متقلبة غير ثابتة، متلونة تتعاورها ألوان الطيف، لأنها تمثل الحدث، تعرض الفعل، فعل الطبيعة في الإنسان، وفعل الإنسان في الإنسان وفي الطبيعة ورد فعل هذا الإنسان على هذا وتلك، ورد فعل تلك الطبيعة على هذا الإنسان، مشاهد محتدمة بالنشاط والحركة، مزدحمة بالعناصر والأبطال، وهي صور ومشاهد فيها الإنسان هو المحور، هو قطب الرحى والبطل، فيها الإنسان إما فاعل أو مفعول به، إما متفرج جالس على هامش درب الحياة، أو ممثل بارع واقف على خشبة المسرح يصنع المشاهد والأحداث . والمشاركة في صنع الأحداث والرغبة في تلوين الصورة المعروضة، حلم مشروع لكل من يريد ذلك من بني الإنسان، شرط أن يكون لديه موهبة التمثيل وروح وريشة الفنان الرسام، وقبل ذلك كله أن يكون لديه الاستعداد الذاتي والثقة بالنفس لدخول المعمعة ومزاحمة الأقران ومقارعة الأضداد في معركة إثبات الهوية والأهلية "فما كل من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كل الرجال فحولاً".
       بيد أنه مهما كان من أمر هذا الإنسان أو ذاك فلا بد أن يكون له مع الحياة بداية ونهاية، فحضارات سادت ثم بادت على مسرح التاريخ البشري، وشخوص لمعت كالشموس في سماء الحياة الإنسانية ثم تهاوت واندثرت، وأحداث هزت الأرض هزا ثم تلاشت وخبت، وأطيار حلقت عاليا نحو القمم ثم وقعت وسقطت، وأزهار تفتحت وأعبقت جو الحياة بأريجها الفواح، ثم ذوت وذبلت، وبراعم انسحقت في أكمامها قبل أن تتفتح، صور من الجذل والجمال الرائع الآسر، وصور من الحزن والقبح المريع القاهر، تعاقبت وما زالت تتعاقب على مسرح الحياة، كل ذلك والزمان هو الزمان، الشمس هي الشمس في شروقها والغروب، واليوم هو اليوم في تعاقب ليله والنهار، والسنة هي السنة في توالي شهورها والفصول، كل ذلك والمكان، أيضا هو المكان، الأرض هي الأرض، بجبالها وسهولها والصحاري، بهوائها، بمائها وبما عليها من نبات أو حيوان، لم تتبدل ولم يتغير جوهرها منذ أن كان الوجود، فهل هذه الديمومة لإطار الواقع وحتمية تغير صوره وتبدلها هي مبررات إجهاضنا للحلم ومسوغات ارتكاننا للخواء والخمول والخور؟ هل صيرورة الإنسان على اختلاف مراتبه وفئاته وأعماره ، وتوحده في النهاية المشتركة المحتومة التي هي الموت والقبر، هل هذه الصيرورة وهذا التوحد هما الدافع الذي يحدونا للتقوقع في شرانقنا ووأد آمالنا وأحلامنا في مستقبل أسمى وأفضل لحياتنا فردا وجماعة؟!
       وللجواب على هذا السؤال لا بد لنا أولا أن نسلط الضوء على حقيقة قد تغرب عن عقول الكثيرين لا سيما المتشائمين السودايين منا، وتلك الحقيقة هي أن هناك ثمة فرق كبير بين الإنسان من حيث هو جسد وروح وعمر، ومن حيث هو عقل وفعل وفكر وأثر، فالإنسان في صورته المادية والزمانية شيء زائل مؤقت ومندثر، أما في صورته الفكرية الإبداعية الخلاقة فخالد خلود الدهر، فالحضارات التي سادت ثم بادت ، هي في حقيقة الأمر بادت كمرحلة زمانية ، كشخوص بشرية، كنمطية معينة للعيش والحياة، أما ابتكاراتها الفذة وابداعاتها الفكرية المتميزة علما وفنا وأدبا وعمرانا فباقية آثارها لا يطالها النسيان ولا تمحى من ذاكرة التاريخ قط، وهي أمور شواهدها الألف بارزة للعيان ولا يحتاج إثباتها أي دليل أو برهان. فالتغيرات والتقلبات الدراماتيكية التي حدثت وتحدث على مسرح الحياة الإنسانية عبر تعاقب العصور خفضا ورفعاً، ازدهارا وانحدارا، سعادة وشقاءاً، كان وما زال سببها الإنسان ذاته لا الزمان الذي يعيش فيه، ومع ذلك ما فتئ الإنسان متخذا الزمان شماعة يعلق عليها خيبته واحباطاته أو فشله وأحزانه في الحياة، على حين أن الأمر في حقيقته كما أوجزه الشاعر حين قال:
زماننا كأهله          واهله كما ترى
       أو كما قال الشاعر الآخر:

نعيب زماننا والعيب فينا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
وليس الذئب يأكل لحم ذئب


وما لزماننا عيب سوانا
ولو نطق الزمان لنا هجانا
ونأكل بعضنا بعضاً عيانا


(معاني الحلم)
إذا ذاك هو الواقع، وذلك هو معناه في صورته والاطار، واستطرادا في الحوار، نعود لسؤالنا الآخر عن معنى الحلم، ونحاول التعرف عليه وعلى تأثيره في حياة الانسان سلبا كان أم إيجابا: وبداية نقول أن الحلم حلمان، حلم اليقظة وحلم المنام، والذي يهمنا هنا هو الأول، أي حلم اليقظة لا حلم المنام، مع أن حلم المنام هو الآخر إن هو إلا إنعكاس وتنفيس لما يجيش في أغوار النفس البشرية من رغائب مكبوتة في اللاشعور، بالإضافة إلى كونه صورة من صور الحاسة السادسة في قدرته أحيانا على التنبؤ واستكناه أحداث مقبلة في علم الغيب، أما أحلام اليقظة فهي ليست سوى المرادف لما يعتلج في صدر الإنسان وعقله من الأماني والآمال والطموحات التي يرغب في تحقيقها في حياته تغييرا أو تطويرا أو إضافة، ... ولنا هنا أن نضع أكثر من خط تحت الكلمات الثلاث الأخيرة، التي هي "التغير والتطوير والإضافة" تلك المرتكزات التي يقوم عليها أي طموح أو حلم يتمنى الإنسان تحقيقه عبر سعيه وجده وكفاحه في الحياة، وأن نتساءل بجانب ذلك، ترى هل للحياة معنى بدون تلك المرتكزات، بل هل كان للحياة الإنسانية أصلا، وجود واستمرار وخلود بدون تلك المرتكزات والمنطلقات، منطلقات التغيير لكل ما هو قديم مترهل متهالك بالجديد الديناميكي المتماسك، والتطوير لكل ما هو جامد أو راكد بالتحريك والتثوير، والإضافة المستمرة لرصيد الحضارة الإنسانية من كنوز الخبرة والعلم والإبداع التي يزخر ويفيض بها العقل البشري الرفيع من آن لآن.
أجل! هل كانت هناك الحضارة الراقية العظيمة التي نراها اليوم لولا الأحلام التي راودت مخيلات العباقرة الذين ما كان بينهم وبين الجنون سوى شعرة!! .. هل كانت هناك العلوم الرفيعة والتطورات الباهرة المتوالية السريعة في شتى مجالات الحياة، لولا أن دغدغت أطيافها أولا عقول أناس وأطارت من أجفانهم طيور الكرى والمنام؟!
إن ما نحن فيه اليوم من علم ومن تقدم ورقي وحضارة، كان قبل ثلاثة قرون من الزمان أو أربعة فقط ضربا من الخيال وحلما من الأحلام النرجسية، بل وكان عند تلك الإجيال هو المستحيل بعينه ... أن يتنقل الإنسان في الهواء ، ويقطع المسافات من قارة لقارة في سويعات عديدة ... أن يستمع الإنسان لمن هو في أقصى المعمورة ويحادثه كما لو أنه موجود بجانبه في الحجرة التي يجلس فيها ... أن تغدو الكرة الأرضية قرية صغيرة يرى أحداثها الواقعة في شتى أصقاعها وأرجائها حية أولا بأول وهو جالس على كرسيه رجلا على رجل ... أن يغزو الفضاء ويسكنه وينزل على سطح القمر والمريخ ... أن يعيش عصر الذرة والكمبيوتر والإنترنت ... وأن ... وأن ... كلها كانت بالنسبة لتلك الأجيال خيالا في خيال ... والذين راود مخيلاتهم شيء من تلك الأحلام – كعباس بن فناس، الذي حلم بالطيران كالطيور، فكسى جسمه بريشها، وألقى بنفسه من قمة جبل عال فمات – نعتوا يومها بالسذاجة والبلاهة والجنون، أو قتلوا أو اتهموا بالزندقة والإلحاد – مثل كوبرنكس الذي أثبت دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فقتلته الكنيسة لخروجه على الفكرة السائدة المألوفة التي كانت تقول بثبوت الأرض ودوران الشمس حولها – أو نكل بهم شر تنكيل وطردوا من ديارهم شر طرد كحال الكثير من الأنبياء والمصلحين الذين نعرفهم على مدى التاريخ ، إلى حد أن قيل فيهم القول المأثور "ليس لنبي كرامة في وطنه".

"ارتباط الأحلام بالآلام"
       وهذا أمر يقودنا إلى مداخلة أخرى حول ارتباط الأحلام بالآلام، أو كما عبرت عنه الأخت شريفة حول الازمة النفسية القاهرة التي يسببها الحلم للحالمين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في مقدمة هذه المداخلة هو، ترى هل يمكن أن يتحقق أي حلم من الأحلام بدون أية معاناة أو آلام؟!، والجواب البديهي الذي تمليه كل التجارب والخبرات الإنسانية على مر العصور، ضئيلها والعظيم، صغيرها والكبير هو ، لا ، فلا تحقيق لحلم بدون معاناة أو الآلام ، لماذا ؟! لأن الحلم في حد ذاته يحمل في طياته من الأساس بذور أو عوامل المعاناة والا لم ن ذلك أن الحلم يعني في آخر المطاف خروجا على المألوف التليد، والرغبة في استبداله أو إحلاله بتصور مبتكر جديد، وما الجديد سوى خلق أو ولادة شيء لم يكن موجودا من قبل، والولادة لا تكون بغير مخاض، والمخاض آلام موجعة رهيبة، قد يصمد لها القوي الصبور، فيتحقق له ما تمنى ويشهد ميلاد حلمه في حياته، أو قد يقضي دونه، فيتحقق الحلم الذي حلم به من بعده، أو قد ينتهي الحالم وينتهي معه حلمه في غمرة المخاض العسير. وكون الأحلام خروجا عن المألوف ، يعد سببا إضافيا في وجود الأشواك والمخاطر التي تحف محاولاتنا لتحقيقها، ذاك أن للماضي أو الواقع المألوف سطوة العادة وصفة القصور الذاتي في النفوس ، فمعارضة الأحلام لحظتها أو مقاومتها ممن حولها أمر طبيعي وبديهي شأنها في ذلك شأن أي معارضة تنشأ ضد أ نشاز خارق للعادة والمنطق المتعارف عليه منذ سالف الأيام، والأكثر من ذلك هو أن الآلام تتناسب طرديا في شدتها مع حجم الآمال والطموحات المنشودة، فكلما عظم الطموح أو الحلم عظمت معه المعاناة والألم اللازم والملازم لتحقيقه ، فطبيعي جداً ان يعاني ويقاسي كل ذي عقل مفكر ونفس طموح.

"فذو العقل يشقى في النعيم بعقله
و "إذا كانت النفوس كبارا


واخو الجهالة في الشقاوة ينعم"
تعبت في مرادها الأجسام"


والأماني والأحلام هي الأخرى تكون في حجمها وسموها على قدر حالميها،

"فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتعظم في عين الصغير صغارها


وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتصغر في عين العظيم العظائم


فدروب الأحلام مليئة بالشوك والآلام ، ومع ذلك لم تثن تلك الحقيقة الصارخة الإنسان عن تعلقه بالحلم أو تشبثه بالأمل لحظة واحدة، لم تثبط لدى المرأة، مثلا، الرغبة في الأمومة، في الحلم بانجاب طفل تحضنه لصدرها وترعاه، رغم علمها المسبق بمعاناة الحمل ومخاطر الوضع والولادة ، .. ولم تكسر همة العلماء ولا فلت عزمهم الصلب العنيد في ارتياد الآفاق وكشف المجهول، رغم معرفتهم بما ينطوي عليه ارتياد المجهول من مفاجآت ومجازفات محفوفة بالمغامرة والخطر . فدروب الأحلام على علاتها هي دروب الحياة ، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، ودروب الأماني، على وعورتها، هي دروب المجد والعلى.

و"لايمتطي المجد من لم يركب الخطرا
ومن أراد العلى عفوا بلا تعب


ولا ينال العلى من قدم الحذرا
مضى ولم يقض من ادراكها وطرا


       وعليه فكل ذي شأن في هذه الحياة، كل قائد أو رائد أو عالم هو بالضرورة شخص حالم، فالحلم هو ذلك الأكسير أو القوة السحرية التي تفجر في النفس البشرية طاقاتها الكامنة، فتنهض بالإنسان على قدميه وتدفعه للعمل وتمنحه العزيمة الإصرار والمثابرة والقدرة على تحدي وتخطي العقبات والمثبطات التي تعترض طريقه في الحياة ، ذلك أن الأحلام تتيح للإنسان فرصة معايشة واقع الطموحات والآمال التي يرتجيها بكل ما فيها ولها من جمال وبهاء وتألق من قبل أن تتحقق على أرض الواقع الفعلي ، فيزداد بها ارتباطا وتعلقا ، ولها استحسانا وهياما فيستصغر لمرآها في خياله كل الصعاب، ويستهين أمام السعي لتحقيقها الفعلي بخرط القتاد، ... فما الأحلام بهذا المعنى سوى تلك المرآة التي تعكس عمق الإيمان لدى الإنسان بأي أمر كان ، فالإيمان الراسخ بأي شيء هو الذي يحول ذلك الشيء من مجرد فكرة في العقل والخيال ، إلى لوحة، نابضة بالحياة، يسرح الطرف الحالم في آفاقها ، فتأسر الروح بروعتها، وتذكي الأمل بإمكانية الفوز بها والمنال، فلا تحقيق لغاية بدون الإيمان بها أولا ، ولا إيمان صادق بأية غاية بدون الحلم بها وبامكانية رؤيتها حقيقة لا تقبل الشك أو الجدال.

(الأحلام لا تعرف المستحيل)
وعليه، فلا شيء اسمه المثالية أو المستحيل في عالم الأحلام. فلا السفن عاد يهمها مجرى الرياح لتبحر نحو وجهتها !! ولا تشييد القصور في الهواء أصبح وهما مع "ناسا" الأمريكية و "مير" الروسية !! والحب في حياتنا الاجتماعية يجترح المعجزات، فيلغي كل الفواصل والفروق العرقية والطبقية والزمنية، فيلتقي النقيضان الأسود بالأبيض، والفقر بالغنى، والكهولة بالصبى فيتزاوجان ويعيشان معا حياة هانئة سعيدة هي في نظر الكثيرين من أبناء جنسهم ضرباً من المستحيل!! وفي التاريخ، تاريخ الصراع البشري، كم من فئة قليلة غلبت بإيمانها فئة كثيرة، وما قصيدة أبي قاسم الشابي "إرادة الحياة" سوى ترجمة لهذه المعاني السامية النبيلة التي ينطوي عليها الطموح والحلم:



وقالت لي الأرض لما تساءلت
أبارك في الناس أهل الطموح
هو الكون حي يحب الحياة
فلا الأفق يحضن ميت الطيور


يا أم هل تكرهين البشر
ومن يستلذ ركوب الخطر
ويحتقر الميت المندثر
ولا النحل يلثم ميت الزهور


       إذن فالحياة بلا طموح أو حلم هي حياة بلا غاية أو هدف ، والحياة بلا غاية أو هدف حياة هامشية أو بهيمية لا معنى لها ولا طعم ولا أهمية . فمعانقة أرواحنا للأشواق البديعة والأحلام السامية الرفيعة هي ما يميزنا كبشر عن سائر الحيوان ، وهي التي تعطي لحياتنا معنى ولاستمرارنا فيها مبررا ، ولتحدي صعابها وتجاوز عقباتها والتغلب على إحباطاتها عزما وإصرار وسلوى ، وما أصدق الشاعر حين قال:
"أعلل النفس بالآمال أرقبهــا         ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل"

                                        زهران بن زاهر بن حمود الصارمي
                                              ولاية إزكي
                                             7/7/1995م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق