السبت، 9 يونيو 2012


الإرهاصات العمالية محك الطلائع الوطنية
في نهاية شهر مايو الماضي قام العاملون بحقول النفط باعتصام عن العمل ، بعد أن سدت في وجوههم كل سبل التفاهم ، و ضاقت بهم الأرض بما رحبت ، و لم يكن لمطالباتهم و صرخاتهم أي صدى ، أو أذن صاغية من أية جهة من الجهات المعنية بالشركات العاملين بها ، أو بالجهات الحكومية المفترض أن تكون العين الرقيبة و اليد المدافعة عنهم والحامية لحقوقهم في أي موقع يعملون به  ، وفق مرئيات الأنظمة و الضوابط التي شرعتها هي ذاتها في قانون العمل العماني ، الذي يتوجب ، بحكم التشريع و قوة القانون ، تطبيقه و الالتزام به ، و تنفيذه من قبل كل الشركات و أرباب العمل الخاص و العام .
و لقد كانت المطالب المتفق عليها بين جميع العاملين بتلك الشركات و القطاعات النفطية ،  حسبما أوردتها جريدة عمان في عددها الصادر بتاريخ 30 مايو 2012 ،  هي كالتالي : -
1)  المساواة بين القطاعين في صندوق التقاعد .
2)   مساواة غلاء المعيشة بين القطاعين .
3)  علاوة الخطر لا تقل عن مئة ريال
4)   تحديد العلاوة السنوية أن لا تقل عن 6%
5)   مكافأة ما بعد الخدمة لكل سنة راتب .
6)  تحديد ساعات العمل 8 ساعات ، و في رمضان 6 ساعات ، و تحسب الساعات الإضافية بعد الدوام الرسمي كأجر إضافي
7)  تقليص ساعات العمل في الصيف
8)  البطاقة الصحية بحيث يكون التأمين الصحي شاملاً مع العائلة
9)  النظر في إيقاف الراتب بعد قعود الموظف بسبب المرض .
10) عدم التمييز بين الموظفين من ناحية الأكل .
11) النظر في العقوبات المرورية ، و تخفيض قيمة استخراج رخصة تنمية نفط عمان
12) التدريب و التعليم و التدرج الوظيفي و الإجادة .
13) احتساب الإجازات الرسمية و المناسبات .
14) تحديد الراتب الأساسي ، بحيث لا يقل عن 400 ريال مع فارق السنوات
15) مكافأة لكل سنة راتب  أساسي " البونس "
16)  النقل و الإجراءات التعسفية
17) استخدام الموظفين كصفقات تجارية بين المقاولين ، و استئجار العمال بدون عقود
و هي مطالب ،  فيها من الحق و العدل و المنطق ، ما لا يخفى على كل ذي حس وطني أو بصر و بصيرة ؛ لاسيما تلك المتصلة بالمساواة في حقوق المواطنة بين القطاعين ، و في تدني الأجور و العلاوات ، و في احتساب ساعات العمل ، بما يتناسب و المناسبات العامة و أيام الهجير . بل و إن بعض تلك المطالب لا تمس العاملين بالقطاع الخاص فحسب ، و إنما تتعداها لتشمل العاملين بالقطاع الحكومي أيضاً ، كالمكافأة الزرية لما بعد التقاعد  ، و كالعلاوة السنوية التي لا تزيد عن عشرة ريالات لدى 90% من الموظفين بالمؤسسات الحكومية ، مقابل الارتفاع الصاروخي الشهري لأسعار شتى متطلبات الحياة  ... أما لدى من في نفوسهم مرض ، و على أعينهم غشاوة الظلم و الاستبداد ، فهي ( أي تلك المطالب )  خروج على الطاعة و عصيان غير قانوني يستوجب الفصل و الطرد و العقاب لمن يرفعها أو ينادي بها من العمال .
و بذكاء و دهاء يعرف من أين تؤكل الكتف ، أو ضرب اللوز باللوز – كما يقال في الأثر – و لمعرفتها المسبقة بالمعركة الحامية الوطيس التي تدور حالياً بين بعض أعضاء مجلس الشورى على تقديم فروض الولاء و الطاعة ، لكسب التزكية المثلى التي ستوصلهم للوزارة و التوزير ؛ انتدبت الحكومة ممثلين منه لحل المشكلة و التفاوض مع العمال لإنهاء الإضراب و العودة للعمل ، فكان لها ما شاءت و شاءت الشركات ، حين سقط أولئك الأعضاء المنتدبين في أول امتحان لأصالة مواقفهم ، و مدى مصداقيتهم في تبني هموم الشعب الذي انتخبهم للإنابة عنه في التعبير عن آماله وطموحاته و الدفاع عن حقوقه المشروعة ؛ سقطوا بتحولهم المزري من ممثلين للشعب ، إلى ناطقين باسم الشركات الجشعة الناهبة لخيرات بلادنا ، و المحامين المدافعين عنها في وجه المواطنين من العمال المضربين .
و كانت نتيجة تلك الوساطة أن مُرغ بأنوف العاملين في التراب ، و أُجبر كل منهم ،  بلي ذراعه و إمساكه من اليد التي تؤلمه ، ليحافظ على لقمة عيش أسرته المعفرة بالرمل و الزيوت ، أن يوقع على هذا التعهد المهين و المشين . الذي نصه يقول :-
 ” أتعهد أنا الموقع أدناه ، و بعد إقراري بدخولي في إضراب غير قانوني بتاريخ 27/5/2012م  ، حتى هذا التاريخ ، و أعلم بأن هذا التصرف قد كبد الشركة خسائر مالية كبيرة ، و خالف قوانين الأمن و السلامة ، معرضاً مواقع العمل لمخاطر كبيرة .
أتعهد بأنني لن أكرر مثل هذا التصرف مستقبلاً ، و أن ألتزم بكافة قوانين الشركة ، و أن أتبع تعليمات مسؤلي المباشر ، و في حالة مخالفتي لما ورد في هذا التعهد ، فإن للشركة الحق في إنهاء خدماتي وفق القانون .
و هذا اعتذار عن توقفي عن العمل و الإضراب ، و إنني أقر بخطئي و أطلب منكم السماح  "  (* )
و هذه الصيغة المهينة التي يندى لها جبين كل حر غيور ، تعني فيما تعنيه ، تمكين الشركات قانونياً من هضمها لحقوق العاملين و ممارسة أعمال السخرة و المهانة فيهم ، دون أي خوف  من وازع أو رادع أو رقيب ... فقد حصلت ، رسمياً ،  وفق هذا التعهد على صك الإدانة ، الذي يعطيها الحق و المشروعية للضرب ، مستقبلاً  ، بيد من حديد على كل من تسول له نفسه برفع الصوت حول أي مطلب أو مظلمة . كما أن هذا التعهد و القبول به على هذا النحو المزري معناه الوأد المسبق لأي حراك عمالي في مستقبل الأيام ، بقصد المطالبة بالتحسين و الإصلاح لأحوالهم و أوضاع عملهم السيئة . الأمر الذي سيكرس هيمنة الشركات و يقوي من شوكتها في مواجهة العاملين في قطاعاتها و ممارسة شتى صنوف الظلم و الإذلال فيهم ؛ .... فانطبق القول على وفد الشورى ، مع الأسف الشديد : -
" إن من ترجو به دفع البلاء ... سوف يأتيك البلاء من قبله "
 هؤلاء العمال ، الذين لولا جهدهم و عرقهم و تضحياتهم بالعمل في أقسى عوامل الطقس و المناخ ، هجيره و الزمهرير ، و في أخطر البيئات على الحياة ... لولا هؤلاء العمال ،  لما كانت لعمان هذه النهضة و هذا الخير و العمران ؛.... فأن يجازَوا جزاء سنمار ، على كل ما قدموه و ما زالوا يقدمونه من كدح في سبيل هذا الوطن و استخراج خيراته من مجاهيل الأرض ؛ فيه كل الحيف و الإجحاف في حقوقهم الإنسانية ....أن تتعفر وجوههم وتحترق أجسادهم بلفح لهيب الشمس و المصانع ... أن يعيشوا في بيئات يترصدهم الموت بها من كل جانب ، من أجل استخراج لآلئ الأرض و ذهبها الأسود ، ثم تأتي ثلة من المترفين وتصادر كل تلك الثروات الثمينة لتنعم بها لوحدها و تزيد من ترفها و تخمتها و مجونها ، دون أن يكون لؤلئك الكادحين الذين أفنوا زهرة عمرهم في استخراجها من مناجمها الرهيبة ،  نصيب منها سوى الزوان و الحصرم ...أن لا يحصدوا من معاناتهم و شقائهم  سوى لقمة العيش التي تبقيهم على قيد الحياة اللازم لاستمرارهم في حمل النير و دفع عجلة الإنتاج الثقيلة ، هو عين الظلم و القهر و الاستغلال  .
فلماذا تكمم أفواههم ، و لماذا لا يلقون سوى الأذن الصماء ، عندما يطفح الكيل لديهم ، و يرفعون صوتهم صارخين من ألم المعانة و نفاد الصبر ؟! و لسان حالهم يقول :-
" و من البلية أن شاة عندنا ..... بيدي قرناها و غيري يحلب "
و هنا تقع مسؤولية تاريخية كبرى على الاتحاد العام لعمال السلطنة ، و على كل النقابات العمالية في هذا الوطن ، الذي هو و خيراته ملك للجميع ، لا لأحد بعينه ، أو فئة دون سواها ، تتمثل في ضرورة عدم الاستسلام أو رفع الراية البيضاء  ، بسبب هذه المواقف المتشنجة من الشركات ، أو بسبب هذه الممالأة و المواقف المخيبة للآمال من أعضاء مجلس الشورى ... بل على ذلك الاتحاد و تلك النقابات أن يمضوا قدما في رفعهم الصوت عاليا بمطالبهم المشروعة ، التي تقرها كل المواثيق و الأعراف الدولية ،  دون أن يفت في عضدهم كل محاولات الطمس و الترهيب ، واضعين نصب أعينهم أنه في نهاية الأمر ما ضاع حق وراءه مطالب ، و أن الليل مهما اشتد سواده أو طال أمده ، لابد و أن  ينتهي بفجر أبلج و صباح وضاح . و إن الله مع الصابرين .


زهران زاهر الصارمي
نقال 99206716
7/6/2011


(* ) المصدر ( جريدة الوطن الصادرة بتاريخ 3 يونيو 2012  ص 4)