الأربعاء، 8 فبراير 2012


المقدمة التي كتبتها لمهرجان صلالة للعام 2010 عند مشاركة ولاية إزكي في فعالياته
سلامٌ لكَ يا سمحانُ منا ... و من جرنانَ زهرُ  الياسمينا
سلامٌ للروابي ، للجبال الشُّمِ ، أرضَ الأنبياءِ الطاهرينا
 سلامٌ لصلالةْ و لمرباطٍ و طاقةْ
                               و لضلكوتٍ و رخيوتَ العرينا
سلامٌ لكموا أهلَ ظفـــــــــــــــــارِ المجدِ رمزَ الأكرمينا 
سلامٌ لكموا يا من شَرُفنا        بلقياكم فنعم الحاضرينا
سلامٌ ضمَّخَ الأرجاءَ عطراً ... فنزجيه لكم مهما نأينا
فعشتم في الحياةِ حياةَ عزٍ  .... و دمتم يا إلهي سالمينا
إنه ليوم من أيام العز و الفخار ، و يوم من أيام السعد و المجد
التي طالت أشواقنا لها و الانتظار ، هذا اليوم الذي تلتقي فيه أمجاد إزكي و ظفار ، على ثرى سهل أتين ، حيث الأصالة و الكرامة و الحنين ، لذلك الماضي التليد ، الحاضر بيننا اليوم ، بجلاله وجماله الرصين ، رغم طول المسافات و آماد السنين ، فكانت بتجلياته اليوم هنا خير شاهد ، بأننا في الأرومة نسل واحد ، أسكنا شمالاً أم جنوبا ، كلنا أحفاد مالك و ابن ماجد ، و أبناء  ماجان الغبيرا ، أو مزون
في ليلة ، كأنها من ليالي ألف ليلة و ليلة  ، نحكي لكم بها ، ما خلف أجدادنا الأفذاذ للأحفاد  ، من مآثر خالدات لا يطالها النسيان  ، مهما تباعد الزمان و المكان ، في الفنون و العلوم أو ما اجترحته يد الإنسان  ، بإرادتها الحديدية ، و بسواعدها السمر الأبية ، من صور المشغولات اليدوية ، و من الحرف التي باتت تعرف الآن بالحرف التقليدية ، فاسمحوا لنا بداية ، أن ننقلكم للمكان ، قبل انتقالنا بكم لغابر الأزمان ، و استعراض إبداعات هذا الإنسان فيه ، فالمكان ، هو تلك الولاية العريقة ، التي حملت ذات يومٍ اسم جرنان ، نسبة إلى صنم من ذهب ، كانت تعبده القبائل في زمان الجاهلية ، موجود حتى الساعة ، كما تحكي الأساطير، في كهف بها شهير ، يحمل اسمه  ، أي كهف جرنان ، و عندما أنعم الله على عمان بنعمة الإسلام ، كان أهل  هذه الولاية أول من دفع الزكاة طائعين ، في عهد جيفر و عبد ابني الجلندى ابن مسعود ، فسميت من حينها بإزكي ، و هي ولاية من ولايات المنطقة الداخلية الثماني ، تعد الثالثة في مساحتها البالغة 2500 كم مربع ، و الرابعة في عدد سكانها البالغين الآن قرابة الخمسة و الأربعين ألف نسمة . متوزعين على ما يزيد عن 75 قرية ؛ أشهرها ، قرى النزار و اليمن و مغيوث و سدي و حارة الرحى ، و إمطي و القواريتو زكيت و القريتين و سيماء وأختها مقزح و هما القريتان اللتان جاء منهما المثل العماني الشهير " سيما خت مقزح " ، الذي ندلل به على تشابه الأشياء ، و قرى عديدة أخرى تنضوي تحت مسمى بلدان العوامر .
أما موقعها ، فموقع الواسطة في العقد الفريد ، فهي تتربع على عرش  قلب المنطقة الداخلية ، حيث تتضافر في بيئتها الطبيعية تضاريس الجبال و الصحاري و السهول ، كما تجمع ، من ثم ، في حياتها و تقاليدها الاجتماعية ، بين البداوة و الحضر.
     فجغرافياً ، يتوج هامَها من الغرب ذلك الجبل الأشم ، المعروف بالجبل الأخضر ، و في جزء من ذلك الغرب  ، تحاذيها بيضة ( أي خوذة ) الإسلام نزوى ، مهد العلم و العلماء ، و إحدى العواصم التاريخية الكبرى لهذا الوطن الجليل ، و من الشرق المضيبي بفيافيها الجميلة ، و مضارب الخيل الأصيلة ، و من الشمال تناغيها الفيحا  سمائل ، تلك التي بها على مدى الأيام ، ( كما يقال ) ، نخل الفرض مائل.
    أما من الجنوب فتهب عليها نُعامى ، أي رياح الجنوب ، تهب عليها من بلاد كثيرة العطايا و المنح ، فهي منح .
و في الطرف الشرقي من هذا الجنوب ، تعانق إزكي مهد البوسعيديين الكرام ، أدم  ، حيث الشهامة في بواديها ، و حيث الإباء و الشمم .
و إزكي تعد من أقدم الولايات بالمنطقة الداخلية ،بل لعلها أقدمها على الإطلاق ؛ فهي أقدم تكويناً من مدينة نزوى التاريخية ، التي نشأت قبل ما يقارب الستة آلاف و خمس مائة سنة ، حسب ما رواه السالمي في كتاباته ؛ و تحكي مخطوطة بمتحف اللبان بالبليد ، بأن إزكي قد تأسست بها أول مملكة  في الشمال ، تدعى مملكة قير، حيث ازدهرت فيها الحياة حينا من الزمن ، و كانت محط رحال القوافل التي تجوب المنطقة  ، في الجهات الأربع .
و إزكي في شكلها الحالي ، أسستها ، ما قبل الإسلام  ، القبائل العربية اليمنية و النزارية ، المتدفقة في هجراتها الأولى إلى عمان و هذه القبائل لم تزل آثارها و أجيالها ، موجودة في القريتين التوأم ، المعروفتين اليوم بالنزار و اليمن .
لذا تزخر الولاية بالعديد من المعالم الأثرية و التاريخية ، و المزارات  السياحية المتنوعة ، ما بين قلاع و أبراج و أسوار و حصون ، إلى الأسواق و الجوامع القديمة و الكهوف ، وإلى الأودية و الأفلاج ، التي قيلت بها الأمثال ، كقولهم :- بأن أشهر الأفلاج في عمان ، كانت ذات يومٍ  ، سمدي سمايل و حدقي امطي ، و دارس نزوى و ملكي ازكي ، غير أن هذين الفلجين الكبيرين ، الحدقي و الملكي ، دمرهما الغازي العباسي ، محمد بن نور ، ا لذي لقبه العمانيون ، و خاصة الإزكويون منهم بمحمد بن بور ، لما عاثه من فساد في البلاد ، و لما خلفه من خراب ، في القرى التي قاومته و استعصت عليه ، فطمس الحدقي ، و لم يبق من ينابيع الملكي إلا النزر اليسير .
 و لطمس الأفلاج حكاية طريفة تُروى ، خلاصتها ، أن محمد بن بور هذا ، سأل راعية كيف له أن يمنع المياه من التدفق من عيون                الفلج ، فقالت له : عليك بالصوف ، فرد عليها : إذن جعدش  ، فرمى خرافها و غنمها في عين ذلك الفلج ، و صارت الحادثة مثلاً يروى ؛ قالت الصوف ،  قال جعدش ، فكان جزاؤها كجزاء سنمار في الأمثال العربية .
و عموماً ؛ فإن عدد الأفلاج  ، حسبما جاء في كتاب أحمد الدرعي
" إزكي الإرث التاريخي و الإنجاز المعاصر" ، بلغ 111 فلجاً الحية منها 58 فلجاً ، و الميتة 53 فلجاً ، و هي متنوعة المصادر ، فمنها الداوودية التي تنبع من الجبال ، و منها العينية التي تنبع من العيون ، و منها الغيلية التي تنبع من الغيول ، الناشئة عن جريان الأودية  .
و من بين أعجب هذه الأفلاج فلجان ؛ فلج يدعى فلج الجن ، لأنه لا يُعرف مصدره ، و يوجد في قرية تدعى بحبل الحديد . و فلج يدعى فلج المتَّرك ، لأنه لا يظهر بعد جريان الأودية على مصدره ، إلا بعد مرور أربعة أشهر و عشرة أيام ، و هي الفترة التي تقضيها الأرملة في العدة  ، و يوجد في قرية تدعى السليمي .
و بإزكي  أكثر من 45 وادياً ، أشهرها وادي حلفين , و قنت و وديان إمطي ، و القريتين و الحجر ، و مسدود و السليل و سيما و مقزح و مقوع .
و إزكي منطقة زراعية ، تشتهر بزراعة النخيل على اختلافها و الخضروات و الفواكه ، لاسيما العنب الذي تشتهر به قرى إمطي و القواريت .
و لقد مارس العماني في هذه الولاية ، شتى الأعمال والصناعات و الحرف التقليدية  ، كمصدر من مصادر الدخل يومها ، و كإسهام حضاري منه ، بصنع و ابتكار الأدوات اللازمة لعمله فيها ، فكانت هناك الزراعة والصياغة و الحدادة و النجارة  ، و الغزل و النسيج و كانت هناك المشغولات اليدوية و الحرف التقليدية ، القائمة على الاستفادة من المواد الخام التي تتوافر في البيئة المحلية  ، كالسعفيات و الصوفيات ، و الغزْلِ و النسيج ، و صناعة الجلود ، و البارود . و قد اشتهرت بعض قرى هذه الولاية ببعض الصناعات إلى حد اعتبارها رمزاً للجودة " كالإزار القريتاني " نسبة للقريتين التي يصنع فيها .

و الآن ،  إلى نوع من الغناء ، يشبه النانا المعروف في الجنوب ، إنه غناء التعويبْ ، وهو فن من الفنون النسائية الذي تشتهر به ولاية إزكي ، وتقوم النساء بأدائه أثناء جمع الحطب أو الحشائش من الجبال. و هو غالباً ما يؤدى بين شخصين من جنس واحد أو من الجنسين ، كل منهما يرد على الآخر ؛ فيه انعتاقٌ وبثٌ للهموم و الأشواق  ، أو مناجاةٌ للأحبة الغائبين  ، و تذكُّرٌ لسويعاتِ اللقاء السعيد ، أو لحظات الفراق الأليم . فلعل الهدف من أداء هذا الفن هو الترويح عن النفس ، ومحاولة التغلب على مشقة العمل ، وتمضية الوقت في متعة و سرور ، فلنعشِ النجوى ،  ولنستمع لشجو هذا الفن و أشجانه .
و ختاما لكموا منا سلام و تحية
                                             أيها الأحباب في ، هذه الأمسية
فعساكم قد سعدتم ما  سمعتم
                                                 من فنون علّها كانت شجية
و عسانا في سنين قادمات 
                                              نلتقي يوماً و نُهديكم هدية
من كنوز الأزد في إزكي المعالي
                                                تتحلى  بالمعاني الأخوية فجزيلُ الشكرِ لكموا منا ومنكم
                                           نرتجي العذر ، إذا قصرنا شوية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق