الاثنين، 6 فبراير 2012

لماذا فقد الكثير من العمانيين ثقتهم في خدماتهم الصحية. فكان ملاذهم الخارج



بداية ؛ لا أحد بوسعه أن ينكر الخدمات الجليلة التي تقدمها وزارة الصحة الموقرة ، منذ تأسيسها في بداية عهد النهضة المباركة  ، و لا الجهود المضنية  المبذولة في تطوير تلك الخدمات و الارتقاء بها إلى المستوى الذي أشاد به العالم في كفاءتها لاسيما في مجال الرعاية الصحية الأولية ، و لا ننكر أيضاً ، بل نقدر ، الأموال و المصاريف الطائلة التي تنفق من الميزانية العامة للدولة في إقامة مؤسسات البنية التحتية للخدمات الصحية بشتى مستوياتها و تجهيزها بأفضل ما توصل إليه العالم من الأجهزة و المعدات و المستلزمات الطبية  ، و لا ننكر النتائج و المؤشرات الإيجابية الألف الدالة على التحسن المضطرد  للأوضاع الصحية  لمختلف الفئات السكانية و الشرائح المجتمعية مقارنة بالأمس القريب لهذا الوطن الذي كان يعاني فيه مواطنوه من مختلف الأمراض و الأوبئة الفتاكة ، كما لا ننكر أيضاً ، بل نثمن  كل الجهود الرائعة التي تبذلها شتى المؤسسات الصحية في مجال الرعاية الوقائية و تعزيز الصحة ؛ كل ذلك معترف به ،  و في أنفسنا مشكور و مقدر ؛ و لكنه في الجانب الآخر ، و من زاوية الغيرة على هذا الوطن و مقدراته ، و الرغبة في رؤيته يتبوأ أرفع الدرجات و أسناها في شتى المجالات ومنها الصحة ، يفترض علينا الواجب الوطني أن نشير لأي أمر نرى فيه القصور أو الضرر بهذا الوطن و مواطنيه  ، لا بقصد التشهير – معاذ الله -  و إنما بقصد علاجه عبر تسليط الضوء عليه و إيضاحه لمن بيدهم الحل و العقد  و تصريف الأمور .
و لكي نقوم بهذا الدور لابد لنا من تسمية الأشياء بمسمياتها الواضحة الصريحة ، و أن نبتعد عن كل مداهنة أو رياء أو تزويغ لا يؤدي إلا إلى بقاء المشكلات  و تفاقمها ، و بالتالي صعوبة إن لم يكن تعذر معالجتها أو إيجاد الحلول الناجعة لها  .
ومن نافلة القول أنه لا عمل بلا مشكلات أو أخطاء ، فالذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل ؛ و تأسيساً عليه ، لنا أن نتساءل عن مشكلاتنا الصحية و أخطائنا الطبية ، و عما هو متخذ لمعالجتها ودرء مضاعفاتها و منع تكرارها أو حدوثها .
و للإجابة على أي تساؤل من هذ القبيل  ،  وفي هذا الإطار ، سنجد أمامنا بداهة قطبين متضادين هما ؛ المواطن المتذمر أو المشتكي الذي يده في النار ، و الجهة الصحية أو كادرها الذي يده في الماء ، و يكون هذا الأخير دائماً في موقع الدفاع  الذي بوسعه أن يفذلك و يبرر اقترافه لأي خطأ كان ... غير أن الفيصل في هذا الأمر، شئنا ذلك أم أبيناه ، هو المريض و مدى تحسن حالته الصحية  ... و بكل صراحة ، و مع احترامنا  للمؤشرات الإيجابية لكل الدراسات التي تجرى حول رضاء المستفيدين من خدماتنا الصحية ، سنجد ، حتى في حال التسليم بصدقيتها ، بأنها في تراجع سنوي مستمر ، لأسباب عديدة ، منها و على رأسها ، ارتفاع مستوى الوعي و التعليم لدى المواطن ، و بقاء نظرتنا إليه على أنه جاهل لا يعي ما له و ما عليه في شؤون الصحة و العلاج  ؛ و ما رقم الأربعين ألف عماني ، الذي نشرته بعض وسائل الإعلام ، الزائر للهند و تايلند فقط  للعلاج ( أي المعروف رسمياً كرحلات علاجية ، ناهيك عن أضعاف أضعاف هذا الرقم الذين يذهبون للعلاج لكن تحت مسمى السياحة هرباً من التعقيدات التي تفرضها الدولة و سلطات تلك البلدان على القاصدين للعلاج )، ما هذا الرقم إلا دليل على اهتزاز ثقة المواطن بنظامنا الصحي وعدم رضاه أو اقتناعه بالتشخيص أو العلاج  الذي يلقاه في شتى مؤسسات الرعاية الصحية بهذا الوطن  ، بل و أصبحت الطرائف و المفارقات بين العلاج في الداخل و العلاج في الخارج تروى على كل لسان و بالأدلة و البرهان .
فلنمتلك الشجاعة إذن و لنعترف بوجود خلل واضح و فادح في النظام الصحي في عمان ، جعل الكثير من المواطنين يفقدون الثقة فيه ، و يجدون خلاصهم و قارب نجاتهم  في العلاج بالخارج ؛ لأن الناس ببساطة شديدة لديهم أعين تبصر من حولها ، وآذان تسمع آلاف الحكايات الأغرب من الخيال عن رحلة المرضى الميؤس منهم في عمان ، أو المتخبطين كالفراش حول النار ، المترددين بلا جدوى لأشهر أو حتى لسنوات على مؤسساتنا الصحية المختلفة ، ثم وجدوا حدا لمعاناتهم بعد رحلة علاج بالخارج ، عادوا منها و هم في أتم صحتهم والعافية .
نعم ، محق هو من يمسك جانب الدفاع عن خدماتنا الصحية حتى الرمق الأخير بقوله عن عدم وجود توثيق دقيق لتلك الحالات ، و لكن الوثائق موجودة لدى ألف معالج و معالج بالخارج ، إلا أن غير الموجود فعلاً هو جهة التوثيق ، و عدم وجود التوثيق لا يلغي وجود الوثائق و الحقائق ، بل و قد يكون غياب التوثيق أمر مقصود و مطلوب لتغييب الحقائق و دفنها في التراب لئلا تكون حجة و مصدراً لأوجاع الرأس !!
و إذا كانت النية صادقة في تحسين النظام الصحي ، و صقل مهاراته ، و تلافي الأخطاء الطبية - التي نعترف بإمكانية حدوثها في أي بلد من العالم -  فلابد لنا و للمعنيين به من توثيق كل حالة تعالج بالخارج ، لدراستها الدراسة المستفيضة ، و الاستفادة منها بعد معرفة ملابساتها و آليات تشخيصها و التعامل معها ، منعا لتكرارها في مريض آخر، فليس العيب الوقوع في الخطأ و لكن العيب كل العيب هو تكرار ارتكابه أو الوقوع فيه مرة أخرى .... لأن التكرار في وقوع الخطأ معناه أحد اثنين لا ثالث لهما ، إما أن يكون الأمر متعمداً ، و هذا يعني أن في الأمر شبهة أقلها خيانة للأمانة ، أو أن الشخص أو الجهة المقترفة للخطأ هي من الجهل وقلة الحيلة ما لا يؤهلها لممارسة الدور أو الفعل الذي تقوم به ، فالأولى به أو بها تركه و اعتزاله ، و نحن اليوم نعيش في عصر تحاسب الشعوب فيه قياداتها و مسؤوليها على أي خطأ يقترفونه ، بل وبعض تلك القيادات تقدم من ذاتها استقالاتها الفورية لدى حدوث أي خطأ فادح أو واضح بالمؤسسات المعنيين بأمرها  ... كما أننا اليوم أيضا نعيش في عصر السعي للأعمال الخالية من الأخطاء  ZERO  DEFFECT ، أو القيام بالأشياء  الصحيحة بشكل صحيح من أول مرة TO DO THE RIGHT THINGS  RIGHT  FROM THE FIRST TIME   ، لأننا حقيقة  بتنا نعيش في زمن وقوع خطأ واحد في بعض مجالاته ، و منها الطبية ، يعني وقوع الكارثة بعينها . فلا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يُتخذ المرضى من بني الإنسان حقلا للتجارب كالضفادع و الفئران .... و لا أن تُتخذ مقولة : " العملية كانت ناجحة ، لكن المريض حان أجله فمات !! " شماعة و مبرراً دائماً لأخطائنا الطبية أو قصورنا المعرفي . فصحة الإنسان و علاجه أمانة كبرى بين أيدي الكادر الطبي ، و ينبغي لهذا الكادر أن يستشعر حجم هذه الأمانة و حساسية المسؤولية التي ارتضى من ذاته حملها ، و أن يسعى جهده للحفاظ على صورته في أذهان الناس كملاك للرحمة ... وألا يرتضي لنفسه بأية صورة من صور القول أو الفعل أن يستحيل إلى مصدر للسخط أو النقمة .
 وكما يقال ؛ أعلم بها من غص بها...و أنا واحد ممن غص بآلامه المرضية   و اكتوى بنار التجربة  العلاجية المرة في شتى مستويات الرعاية الصحية  بالسلطنة  ، حين بدأت رحلتي مع التشخيص و العلاج للآلام التي ألمت بي ، من مؤسسات الرعاية الأولية إلى الثانوية ثم إلى الثالثية بخولة ، و لم يكن لدى تلك المؤسسات و مستشاريها الطبيين ، برغم كل الفحوصات و أشكال الأشعة  ، لم يكن لديهم من كلمة يشخصون بها حالتي المرضية  سوى الديسك أحياناً ، و وجود أكياس دهنية مرة , و مرة أخرى وجود تجمعات صديدية  في جانبي الظهر ، و بالتالي أقر علي أخذ 8000 ثمانية آلاف ملغم يومياً من المضاد الحيوي ، بمعدل 2000 ملغم كل ست ساعات عن طريق الأبر الوريدية ، و ذلك لمدة ستة أسابيع ، بعدها ستة أسابيع أخرى أتناول ذات المضاد الحيوي ككبسولات بواسطة الفم . .... وبقيت لمدة شهر كامل أعاني الأمرين من زرع الأبر الوريدية و أخذ ذلك المضاد الحارق بتلك الكميات الهائلة ، و لكن بلا جدوى ، و بدون أية مؤشرات على التماثل للشفاء ، بل و كانت الحال تنزلق للأسوأ ، الأمر الذي حدا بأهلي و الأصدقاء العزم و الإصرار على ترحيلي للهند ...حيث أجريت لي نفس الفحوصات و الأشعات التي أجريت لي في خولة ، بل و إن الأجهزة التي لدينا أفضل من تلك التي لديهم  ، و لكن هناك تم تشخيص حالتي على وجه الدقة ، كثلاث مشكلات في الفقرتين السابعة و الثامنة من الظهر: اهتراء المادة الرابطة ما بين الفقرتين ، و وجود صديد على جانبيهما ، و أن الفقرة السابعة منزلقة عن الثامنة ، و بالتالي فإني محتاج لعملية تنظيف الفقرتين و إزالة الصديد و تقويم العمود الفقري.                                                                                                                                                                                                                                                                  

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ؛ لماذا أخفق الاستشاريون لدينا  من تشخيص حالتي رغم أخذهم لأشعة الرنين المغناطيسي ثلاث مرات ، و الأشعة المقطعية مرتين و الأشعة التلفزيونية بالإضافة للأشعة العادية.

        السبب في ذلك بكل صراحة و أمانة يعود لواحد من اثنين و هما ؛ إما أن هؤلاء الأطباء أو ما يسمون بالاستشاريين ، هم أساسا ليس لديهم الخبرة أو حتى المعرفة اللازمة لقراءة أفلام تلك الأشعة . أو أن هؤلاء الاستشاريين ليست لديهم الأمانة  و لا الإخلاص في عملهم  ، و هو أمر مأساوي ، مؤلم و مفزع  في كلا الحالتين .

على أن السبب الأرجح لهذا التدني في التشخيص و العلاج بمستشفياتنا المرجعية يعود للقرار الوزاري الذي سمح لأولئك الأطباء ، و خاصة الاستشاريين منهم بالعمل في المؤسسات الصحية الخاصة ، بالإضافة لعملهم بالقطاع الصحي العام ( كترضية لهم عند مطالبتهم ذات يوم برفع رواتبهم ) ... الأمر الذي أتاح لهم ممارسة السمسرة في مرضى القطاع العام لتنمية ثرواتهم في مؤسساتهم الصحية الخاصة ... بل و أن هذا الوضع هو ما يفسر قائمة المواعيد الطويلة التي قد تصل لسنة أوأكثر لأخذ أشعة أو اجراء عملية في هذا المستشفى الحكومي أو ذاك ... فهي مرمطة و إذلال مقصود يمارس في حق المريض ، لا لضعف الامكانات أو قلتها ، بل لتطفيشه و إرغامه على اللجوء إلى العلاج عند نفس الأطباء و لكن في مؤسساتهم بالقطاع الخاص . أو الهروب بجلده للخارج ، بائعاً ما يبتاع من ممتلكاته ، أو مغرقا نفسه في الديون ، أو آخذا معه تحويشة العمر التي ادخرها لأبنائه ، مفتدياً بها نفسه !!
غير أن أخشى ما نخشاه أن يكون هذا الوضع النشاز مستساغاً و مقبولاً لدى صناع القرار بوزارة الصحة من باب رب ضارة نافعة ، فيرون فيه  مخرجا لأزمة الامكانات و شح الموارد  - النغمة المعزوفة  كثيرا عند تبرير أي إخفاق - و تخفيفاً لوقر الثقل الواقع على أكتاف هذه الوزارة  من تكاليف العلاج و الرعاية الصحية بوجه عام !!
و لكنه حل أو توجه - إن صح الحدس - غير سليم و لا منطقي بالمرة ، راح ضحيته مئات المواطنين المرضى بل الآلاف منهم ، و أفتقرت بسببه آلاف العوائل ، و أهدرت بسببه ثروة الوطن ، و فقد النظام الصحي بأكمله مصداقيته لدى المواطن  .
فهل من مراجعة شاملة لكل ذلك ، و هل من رغبة و إرادة صادقة لتحسين نظامنا الصحي و تطويره  ؟ !... هل من أذن صاغية لمثل هذه الصرخة من لدن صناع القرار بوزارة الصحة ؟! أم أن هذه الصرخة لن يكون نصيبها خيراً من نصيب الصرخات الألف التي تصاعدت مع أنين المرضى  المحبطين بهذه المؤسسة الصحية أو تلك ؟!


زهران بن زاهر بن حمود الصارمي


21/1/2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق