الأربعاء، 8 فبراير 2012


لا تعيينات للمدخنين في منظمة الصحة العالمية

عنوان خبر نشرته جريدة الوطن الغراء في عددها الصادر يوم السبت 3/12/2005م. لم تسعني فرحتي به إلا بالكتابة عنه ، فهو عنوان خبر يثلج الصدر ويطيب الخاطر ، ويبعث على الرجاء والأمل في اجتثاث كارثة التدخين من جذورها ، والأخذ بيد بني الإنسان في هذا الكوكب نحو عوالم نقية الهواء منعشة الأجواء ، خالية من نفث سموم التبغ الكاتمة للأنفاس المورثة للداء والبلاء والخواء وقلة الإحساس .
نعم، نعم ، أكرم بها من خطوة جريئة تضرب القضية في الصميم ، فهذا هو الحل الصحيح والوحيد لمشكلة التدخين ، وكل ما عداه هذر لا طائل منه ، وهدر للإمكانات والطاقات والجهود ، لا يتجاوز أفضلها أنصاف الحلول . إذ كيف لمنظمة أو أية مؤسسة صحية ترفع شعار مكافحة التدخين وتقيم الفعاليات الألف حوله محذرة الناس من خطورته بقولها لهم "اليوم دخان وغداً سرطان" ، كيف لمنظمة أو مؤسسة كهذه تقوم بذلك الدور ، يكون العاملون فيها ، في الوقت ذاته والقائمون على أنشطتها وفعالياتها من المدمنين على التدخين ؟! فالحكمة العربية الشهرة تقول: "لا تنه عن خلق وتأت بمثله – عار عليك إذا فعلت عظيم."
 وكان لسعادتي بهذا الخبر وجه أو سبب آخر هو أنه ذكرني بما كتبته قبل أربع سنوات تقريباً لأحد المسئولين الصحيين حين سألني أن أكتب له عن الحلول والعلاجات التي أرتئيها لمختلف المشكلات الصحية الناجمة عن أنماط الحياة المعاصرة ، كالتدخين والسمنة ، فكتبت له يومها ما رآه صاحبي ضرباً من الغلواء والتطرف الفكري الذي لا يستحق سوى صرف الانتباه عنه وغض النظر.
ولم يكن جوهر ما كتبته يومها  – بلا أدنى فخر أو تزكية للذات -  سوى ما أقرته وعملت به الآن منظمة الصحة العالمية ، لقد كتبت يومها ما نصه :-
"إن السلوك البشري وعادات الأفراد لا يغيرها أو يطورها غير المنهج العلمي الخالد الذي سار عليه ، عبر التاريخ ، كل الأنبياء والمصلحين ، المؤلف من ثلاث خطوات متسلسلة هي :-
(1)            الدعوة في البداية بالحوار والجدال الحسن ، "وجادلهم بالتي هي أحسن".
(2)            ضرب المثل بالقدوة الحسنة ، "ولكم في رسول الله أسوة حسنة".
(3)    سن القوانين الرادعة التي تحفظ لكل ذي حق حقه ، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" ، فهناك الثواب للطائع المنيب ، وهناك العقاب للعاصي و المسيء العنيد .
وحول التدخين أرى أن السبل اللازمة لمنع هذه الظاهرة والكفيلة بالقضاء عليها تتمثل في اتخاذ الإجراءات التالية :-
1- اعتبار التبغ بكافة أشكاله كالمخدرات ، فيحرم بيعه في الأسواق ويمنع منعاً باتاً استيراده من الخارج ، وذلك بكلمة " لا " لدخوله البلد من وزارة التجارة والصناعة ، ومهما قيل هنا عن مصالح اقتصادية قد تصاب بالضرر من جراء ذلك ، فلن تعادل تلك المصالح صحة المواطن ، ولا الملايين التي تدفعها الدولة في علاج السرطانات الناشئة عن التدخين ، وفي تحمل مضاعفاتها الاجتماعية والأسرية ، وفي الجهود المبذولة لحملات التوعية والتثقيف الخاصة بالموضوع. والحكمة المأثورة تقول : "نافذة تأتي منها الريح سدها واستريح" ، فلا يجوز في رأيي ولا يعقل أن تسخر الدولة إمكاناتها لنصح مواطنيها بعدم التدخين، في الوقت الذي تسمح فيه ببيع شتى أنواع السجائر بكل مكان بأبخس الأثمان، فلن يتم بناء أي شيء إن كانت هناك يد تبني ويد تهدم ما يُبنى ، فينبغي إذن إيقاف  اليد التي تهدم ، وسد الشريان الذي يأتي منها النزيف ، إن كنا فعلا جادين وصادقين فيما نقوم به ونسعى إليه.
2- أن يكون العاملون في القطاعين الصحي والتربوي القدوة الحسنة في سلوكياتهم إزاء هذا الموضوع ، وأن يضربوا المثل الأعلى في امتناعهم وعدم ممارستهم لعادة التدخين ، وخاصة بالنسبة للأطباء والمعلمين ، الذين يعتبرهم المجتمع النموذج الأمثل للمبادئ والقيم الأخلاقية والصحية السليمة ، فسيجارة واحدة في يد طبيب أو معلم ، تحرق من أي كان أوراق ألف محاضرة نظرية!! وكل من يثبت منهم أو يصر على تعاطيه التدخين ليس جديراً بالعمل في وزارتي الصحة والتعليم.
3-    منع التدخين وبحزم في كافة المؤسسات الحكومية وأماكن التجمع العامة.
4-    خلق القوانين الرادعة لكل مخالف لتشريعات المصلحة العامة في هذا الصدد.
5- كل ذلك بالإضافة إلى حملات التوعية والتثقيف الصحي لفئات الشباب والطلبة عبر شتى الوسائل المتاحة والممكنة.
6- بعد الحملة والتوعية المكثفة ، يصار إلى تشريع يقضي بعدم علاج الدولة للمرضى المدخنين إلا على حسابهم الخاص ، فمن كان في مقدوره شراء العلة و المرض لنفسه ، حرياً به أن يكون أقدر على شراء الصحة و العافية ، إن أرادها ، و إلا فعليه تحمل مسئولية وعواقب لا مبالاته والإهمال. فالقرآن الكريم يقول: "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها" ويقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "كما أنه قال أيضاً " و لاتزر وازرة وزر أخرى" ، فلا يجوز أن يؤخذ المحسن بجريرة المسيء ، ولا أن يعامل معاملته على حد سواء ، فيما يخص نيل الحقوق العامة والجزاء الحسن ، فالجزاء العادل تجاه أي شيء لا بد له أن يكون في نهاية الأمر من جنس العمل.
ذاك ما كتبته يومها و ما لم يلتفت إليه . و اليوم لا أقول سوى قول الله سبحانه و تعالى: " أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "    


             زهران بن زاهر الصارمي
                             إمطي   5/12/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق