الأربعاء، 8 فبراير 2012


هذا الوطن و أزمة المهنموقف وقضية


رغم نار الغلاء التي تلتهم من حياتنا الأخضر و اليابس " كما تلتهم معاشات الموظفين ميزانية الدولة !! " ؛ قررت أن أقوم بعملية ترميم لمنزلي الذي لم تلمسه ، يد الترميم منذ قرابة العشرين عاماً ، قررت ذلك بعد حوار دار بيني و صديق حميم كانت خلاصته أن من لا ينتهز الفرصة اليوم  للقيام بأي مشروع للصيانة و البناء ، فلن يستطيعه الفرد العادي بكل تأكيد في السنوات القادمة ، فظاهرة الغلاء تسير من سيء لأسوء ، و ليس هناك فيما يبدو أية بارقة أمل في الحد منها أو سقف تقف عند حده ، طالما أن الخصم فيها هو الحَكَم!! ؛ فكيس الإسمنت صار اليوم أضعاف قيمته قبل سنوات بسيطة ، و طن الحديد أصبحت قيمته ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات ، فقلت ألحق على نفسي اليوم بتحويشة العمر ، قبل أن يجتاح البلاد تسونامي المشاريع السياحية الكبرى القادمة بعد حين، و قمت من فوري بالبحث عن الفئات و العناصر المختلفة المختصة بعملية البناء و الترميم ؛ و لم أنجح في العثور على مقاول أو عامل ماهر إلا بعد مضي قرابة الشهر من البحث المضني ، و جاء الذي يسمى بالعامل الماهر ، الوافد من شرقي آسيا بالطبع ، و بدأت معه المفاوضات الأشبه بمفاوضات الحل النهائي لقضية الشرق الأوسط :- " فهذا العمل لا بأس سيقوم  به ، و ذاك لا ، لا يمكنه القيام به ؛ لأنه يحتاج لوقت ، و هو مشغول جداً ،  لديه أكثر من اتفاقية عمل في أكثر من مكان "، و تمضي المفاوضات معه على هذا المنوال ، مع قيامه بتحديد المبلغ الذي يريد مطمئنا إلى عدم قدرتي على مجادلته ناهيك عن الرفض ، إذ لم يكن أمامي من حل سوى الرضوخ و الاستسلام لطلباته؛ لأن الراغبين في خدماته أمثالي من الغلابى واقفين بالطابور !... ثم جاءت الحاجة للنجار لإصلاح بعض الأبواب المخلوعة من مواقعها ، و أخذت أطوف على المناجر سائلاً راجياً متوسلاً أصحاب المهنة من العمالة الوافدة علني أجد من يشفق علي و على أبنائي من زمهرير الشتاء و قارس البرد فيتلطف بالقبول للمجيء معي لتركيب تلك الأبواب و إصلاح بعض ما بها من عطب ، و بعد لأي و جهد جهيد ترفق آخر النجارين بالولاية بالموافقة على تأدية المطلوب , لكنه إمعانا في النكاية اشترط أيضاً أن يكون العمل ليلا من السابعة مساء فصاعدا و ليس خلال ساعات النهار، أيضاً بحجة زحمة الأعمال عنده ، و حدد هو الآخر المبلغ الذي أراده دون قبول أدنى مساومة أو نقاش ، لأنه المتكرم و انا عنده الشحات ، و لا يصح أن يكون الشحات متشرطاً !! و ما كان لي مرة أخرى  سوى القبول و الرضاء ، كقبول المؤمن بالقضاء و القدر ، و كذلك كانت مأساتي و المعاناة ، إن لم  تكن أنكى و أشد ، مع الحداد و فني الكهرباء ومع العاملين بورشات الألمنيوم ؛ و وجدتني اصرخ من أعماقي في غيض و غضب و انكسار ؛ أين أبناء الوطن ؟! بل أين بُناته ؟! و وجدتني أيضاً في الوقت ذاته أردد في غير ما شعور مع جبران خليل جبران :" ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ، و تلبس مما لا تنسج ، و تشرب مما لا تعصر " و أضفت عليه ؛ و ويل لوطن يهمش أبناءه و يعتمد في بنائه و خدماته على الوافد الغريب .
إنه لهوان يندى له الجبين، و مذلة تعصر في الحلق العلقم و تبعث من الصدر الأنين ، أن يطلب المواطن بٍحُرِّ ماله خدمة من الخدمات المهنية فلا يجدها إلا بعد أن تضيق به الدنيا بما رحبت ، و عند من ؟ عند الوافد الغريب فحسب . في الوقت الذي تمتلئ فيه شوارعنا بمفتولي العضلات من شبابنا العماني الباحث عن العمل ، لاسيما الأفواج الألفية من أشباه المتعلمين الذين تلفظهم المدارس الثانوية على أرصفة المدن وأزقة الحارات كل عام ؛ و تساءلت في حيرة و ألم ، ترى أين دور وزارة القوى العاملة في حل هذه المشكلة الوطنية ؟ لماذا لا تقوم بدورها في تهيئة شبابنا و تأهيلهم للقيام بمثل هذه المهن ؟ أين معاهد التأهيل المهني عن هذه الفئات ؟  إلى متى نبقى معتمدين على غير أبناء هذا الوطن في القيام بالأعمال الحرفية و المهنية و الفنية التي لا يستغني عنها أي مواطن أو مقيم على أرض أي بلد من البلدان  ؟ ... و إني لأعلم بأني سأتهم بالتحامل على وزارة القوى العاملة ، و يرد علي ، و في تهكم ربما :-" بل أين أنت من معرفة منجزات هذه الوزارة و دورها الفعال في هذا الإطار ، فهناك العديد من المعاهد المهنية التي تم إقامتها و نشرها في مناطق عديدة من السلطنة ، يرقى عددها إلى الخمسة أو الستة معاهد ، كان آخرها افتتاح مركز شناص للتدريب المهني بتكلفة 1.6 مليون ريال و بطاقة استيعابية تصل إلى 360 متدرباً ، و هناك القطاع الخاص الملزم بنسب معينة بتعمين الوظائف بعد تأهيله و تدريبه أعدادا من الفئات الباحثة عن العمل " ..... و إني لمعترف بكل ذلك و مقدر له ، بل كنت وما زلت من المؤيدين و المدافعين عن سلسلة القوانين و الإجراءات التنظيمية التي أصدرها ذات يوم ليس بالبعيد معالي الشيخ عامر بن شوين  الحوسني الخاصة بتعمين عدد من الوظائف و الأعمال في هذا البلد ، و لكن مع كل تلك الجهود المشكورة بلا شك ، علينا أن نمتلك الجرأة و الشجاعة الأدبية بالاعتراف بأن هناك ندرة ترقى إلى مستوى الأزمة في فرص العمل ، و شح في الكادر المهني بشكل عام و الوطني منه بشكل خاص ؛ و أن الجهود المبذولة حتى الآن غير كافية ولا ترقى إلى مستوى وضع الحلول الناجعة للخروج من هذه الأزمة المتفاقمة؛ فرغم مرور سبعة و ثلاثين عاما من عمر النهضة المباركة ، و رغم التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة و نطقه السامي منذ بداية عهده الميمون بأن هدف التنمية الوطنية في هذا البلد هو الإنسان العماني ، إذ بدونه و بدون تأهيله التأهيل العلمي و العملي السليم  لن تكون هناك نهضة أو تنمية حقيقية للبلاد ؛ نقول برغم كل ذلك فإن ما نشهده من تدخل لوضع قطار التنمية في مساره الصحيح في هذا الإطار ، إطار تأهيل القوى البشرية المحلية ، دون مستوى الطموح ،  بدليل ما نراه طافياً على السطح من جبل الجليد ، فالحكم على الأمور بخواتيمها في نهاية التحليل ، و واقع الحال بوجه عام لا يوحي  بالنتائج المأمولة من تلك الجهود المبذولة ، فأين مخرجات تلك المعاهد المهنية ؟!  أين أثرها و تأثيرها في الواقع المعاش ؟! أين ورش العمل الحرفية التي يتوافر بها العامل العماني الماهر و القادر على تلبية الاحتياج المجتمعي المتنامي لشتى المهارات و المهن ؟ فالمعطيات على الأرض تشير إلى بقاء الأمور ، في هذا الإطار ، بلا تطور أو تغير يذكر . فالكادر العماني غير موجود و الكادر الوافد محدود ، و بقيت بالتالي معاناة المواطن المحتاج لهذه الخدمات المهنية في ترد و ازدياد .
أما الحل الذي نراه ، بناءاً على فهمنا للأولويات التنموية في هذا الوطن ، فهي إعطاء الأولوية لهذا الجانب ، جانب التأهيل المهني . و ذلك بخلق و إنشاء معهد أو مركز مهني مكتمل التجهيز و متكامل التخصصات في كل منطقة ، إن لم يكن في كل ولاية من ولايات السلطنة . تستقطب فيها مخرجات الثانوية التي لم يسعفها الحظ في تكملة الدراسة أو الحصول على عمل بالإضافة لاستقطابها للمتسربين من المدارس في مستوياتها المختلفة ، ثم يقدم لهم ، أو للمتميزين الطموحين منهم على الأقل ،  من بعد التخرج الدعم المادي و المعنوي المخطط و المممنهج  لبدء مشوار الحياة العملي و المهني الذي يستفيدون منه في بناء حياتهم و قيام أسرهم ، كما يفيدون به في الوقت ذاته مجتمعهم بتوفير الخدمات الضرورية له . بذلك نوفر العدد اللامحدود من فرص العمل للباحثين عنه ، و نوفر الكادر الذي تتطلبه عمليات التنمية في سوق العمل ، و نقضي على الهاجس الذي يقض مضجع كل وطني غيور ، هاجس القنبلة الموقوتة المتشكلة تراكمياً و بشكل سنوي من مشردي الثانوية العامة الباحثين عن لقمة العيش في أزقة الحارات و شوارع المدن . فليتحول المجتمع العاطل الخامل إلى مجتمع فاعل وعامر بشتى المهارات المهنية و الفنية . و لنخلق في كل قرية إن لم نقل في كل بيت نواة من المهرة الفنيين والمهنيين ما يحقق بها المجتمع شيئاً من الاكتفاء الذاتي لتلك الخدمات الحيوية ؛ و هذا أمر ممكن و ممكن جداً لدى القطاع العام و الخاص إذا وجد الإحساس الصادق بحجم المعاناة و الحاجة الوطنية الملحة لتوافر هذه الخدمات الضرورية ، و من ثم النية المخلصة لوضع التدخلات المناسبة لسد هذا النقص الفاضح فيها . و هي خطوة ، لما لها من أهمية و من أثر إيجابي على مسار الحياة في شتى المناحي و المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية ، تضعها في أعلى سلم الأولويات . فلا بد للجهات المعنية بها من الالتفات إليها و إعطائها الاهتمام التي تستحقه لعلاجها و درأ تداعياتها السلبية . فبلادنا ليست بالكبيرة ، مقارنة بالعديد من البلدان ، و خيراتها وفيرة ، و كل ما يلزمها هو إعادة ترتيب سلم الأولويات في الصرف و الإنفاق !! .. أما الذريعة المتداولة في تبرير هذا العجز في القوى المهنية و الفنية القائل بترفع القوى البشرية الوطنية عن هذه المهن و استنكافها عن مزاولتها رغم التدريب الذي تتلقاه ؛ فمردود عليها في بساطة شديدة و هي أنه لو كان هناك توجيه و دعم صادق و حقيقي يستشعر منه المتدرب الفائدة و الجدوى الحقيقية ، لما فضل التشرد و التصعلك و خواء البطون على إقامة مشروعه الحلم ؛ فليس هناك من يرفس المائدة و هو جائع ظامئ إلا أن يكون به مس أو جنون ؛ و لا أخال الآلاف الذين يحكى عن تأهيلهم بهم كلهم هذا الخبال أو القصور في التفكير !!!  
إن طرح الرؤى المتصلة بالعملية التنموية و ترقيتها في أي بلد من البلدان ، و أخذ يد الشعوب فيها نحو العمل بها و تبنيها ، هي مهمة من صميم عمل الحكومات و واجب من واجباتها الوطنية إزاء شعوبها المسئولة عنها ؛ أما ترك مثل هذه الأمور الحيوية تجري في أعنتها ؛ أو الدعوة لإغفالها أو الإغفاء عنها فلن يحل المشكلة ، بل و لن يزيد الطين سوى بلة .    

                                                      زهران زاهر الصارمي
                                               ولاية إزكي – قرية إمطي
16/2/2008


المثقف بين سندان الطموح و مطرقة الواقع
" و يسقط عنك يا حلم القناع "عنوان كتيب للشيخ الأديب أحمد بن علي الدرعي ....  و صيغة العنوان ، بدايةً ، تذكرنا بعناوين قصائد الشاعر فاروق جويدة المميزة ، المكون أغلبها من جمل شاعرية ، موحية بعيدة الدلالات ، تشد المرء إليها شداً ، و تغريه لقراءتها .
من مثل " عندما يرحل الرفاق " " السفر في الليالي المظلمة "
" في عينيك .. عنواني " و " الحب في الزمن الحزين " و
" الصبح حلمٌ لا يجيء " و " وطني لا يسمع أحزاني " و " كانت لنا أوطان " و " كانت لنا أحلام " و  "و تسقط بيننا الأيام "
غير أن الشاعر فاروق له رأي مخالف و نظرة مغايرة للمعاناة الناجمة عن سهر الليالي و التعب الذي نلقاه في مسيرة الحياة ، و عن الزمن الذي ،  في سوق نخاسته ، نبيع أحلامنا بلا ثمن :-
" تعبٌ يعلمنا ... بأن العَدْوَ ... خلف الحلم
يحيي النبض في القلب العليلْ
سهرٌ يعلمنا ... بأن الدفءَ ... في قمم الجبالِ
و ليس في السهل الذليلْ
غير أن أسوء ما تعلمناه ... في زمن النخاسةِ
أن نبيعَ الحلمَ ... بالثمن الهزيلْ "
بيد أن الأديبين التقيا ، في نهاية المطاف ، حول متلازمة الإحساس عند المثقف الرسولي المعاصر ، المتمثل في شعوره بعبثية الحياة المتجسدة في حتمية المصير البائس للأحلام الإنسانية السامية النبيلة ، لاسيما في زمن السماسرة و أسواق النخاسة .  فالدرعي سقطت عن أحلامه الأقنعة ، بعد اصطدامها بصخرة الواقع الصلد المحطم لكل حلم أو طموح ؛ و أظهرت له بالتجربة الملموسة ، كم كان بجماليونياً ، بل و كم كان بطلاً دونكيشوتياً أحياناً أيضاً !!
و جويدة اكتشف حقيقة الزمن الرديء الذي نعيش فيه ، زمن الفساد و الكساد الذي صارت البضاعة الرائجة فيه ، هو بيع الضمائر و المتاجرة  بآمال و أحلام الإنسانية المعذبة المسحوقة   .
على أن من يستطرد في قراءة هذا الكتيب ، سيجد نفسه بعد حين أمام تراجيديا مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه " العبرات " ، و أمام رومانسية " الأجنحة المتكسرة " لجبران خليل جبران ، فذاك ما توحي به تعابيره التي منها على سبيل المثال لا الحصر :-
"و شاءت الأقدار أن يكون ذلك المكان مقبرته الدائمة لحلمه الضائع و " ذهب إلى مكانه المعتاد مراراً و تكراراً ... إنه المكان الذي لاح فيه حلمه من بعيد ..فلم يجد سوى أطلاله غارقة في صمتها الدائم  .. فتشبث بكل أمل يوصله إليه "  
ثم هو بعد حين يطل علينا من بين السطور ، و مما وراء الكلمات  و أبعاد الجمل ، كواحد من المناضلين الثوريين للقرن العشرين . كجمال عبد الناصر ، أو جيفارا ، و كاسترو ، أو نيلسن مانديلا و ماو ... ذاك ما نلمحه في تعابيره المتناثرة في ثنايا الكتيب ، مثل : "ستة عشر عاماً من الكفاح و النضال "  , " وتكون بداية لمرحلة جديدة ، يبتدئ فيها بخوض معركة حياته العملية "  و " تسير القافلة بهم ...... إلى أن تصل بهم أمام بناء شامخ تعلوه راية ترفرف للمجد و الوطنية " .
تلك التعابير وغيرها تنم عن روح وطنية وثابة ، و مشاعر جياشة ، و طموحات سامقة عِراض ، و عن احتراق و انفعال داخلي عنيف ، تمور به موراً نفس هذا  الكاتب الأديب ، لم يتمكن من كبتها،  أو كبح جماحها ، فخرجت كألسنة اللهب ، أو كالحمم المتطايرة التي ينفثها البركان قبيل انفجاره الكبير .
على أن هذا اللهب المتوقد ، و هذا الوهج الساطع ، و يا للعجب ، سرعان ما يخبو و ينطفئ ، بل و يستحيل رماداً كابياً ، أو برداً و صقيعاً يشل الحركة في الأوصال و تتجمد فيه الحياة ، و غدا الانكسار ، انكسار الأماني و الأحلام النرجسية ، و تداعياتها المحبطة للنفس ، المثبطة للهمم ، هي السائدة في باقي النص ، إلى حد استشعار القارئ بأن الكاتب يغرق ، و يختنق بطوفان الأسى و أمواج الحزن و الألم المُمِض ... فها هو يصف لحظة فقده للحلم بقوله : " صدمة ... مأساة ... انتكاسة مشاعر ، كانت تسبح في فضاء الأحلام يوماً ... كانت بمثابة حقنة قاتلة ... و ليتها كانت قاتلة ... لكن وقعها بداخله زاد العذاب و الألم و الضياع ... و استولت عليه قوى الظلام في عينيه .. ثم تاه كل شيء بداخله في شوارع اليأس الظالم ." .....
 و يصل إلى منتهى الضعف و الضراعة بقوله : " حلمي الصغير ... أرجوك ... لقد سرق ضياعك الأمل من وجودي ...كل شيء اسودَّ في مقلتي الحالمة .... فابق و لا تتركني للعنة الحلم ... لا تتركني أبحر وحيداً في بحور الأماني الخالدة ... لا تترك اليأس يسحقني ... فيا أيتها الهموم خذي جثماني القتيل ، ودعي حلمي الصغير يحييني .... "
أي حلم هذا الذي يستحق فقدانه ، كل هذا الإنكسار المعنوي و الانهيار النفسي ، فالبطل هو ليس الذي لا يكبو أو ينهزم ، بل البطل هو من يستطيع النهوض من كبوته و يواصل المشوار ، و يحيل ، من ثَمَّ ، هزيمته إلى انتصار ...  و الأكثر من ذلك أنه يصف حلمه المفقود "بالصغير" ، فكيف به لو كان ذلك الحلم كبيراً ، أو عظيماً ، يستوجب المخاطرة بعظيم ؟!!
هو حال يستدعي من الذاكرة الموقف المعاكس لهذا الموقف ؛ إنه موقف أبي القاسم الشابي ، و هو يصارع الموت الحتمي القادم نحوه بخطى وئيدة ثقيلة  من داء السرطان العضال ، حين قال :-
" سأعيش رغم الداء و الأعداء
                                كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً
                              بالسحب و الأمطار و الأنواء
لا أعبأ الظل الثقيل و لا أرى
                                  ما في قرار الهوة السوداء
لا أعرف الشكوى الذليلة و البكاء
                               و ضراعة الأطفال و الضعفاء
لا يُطفئُ اللهبَ المؤججَ في دمي
                              موجُ الأسى و عواصفُ الأرزاء
سأعيش كالجبار أرنو دائما
                               للفجر ، للفجر الجميل النائي
النور في قلبي و بين جوانحي
                         فعلامَ أخشى السير في الظلماء

إني أنا الناي الذي لا تنتهي
                              أنغامه ، ما دمت في الأحياء
و أنا الخِضمُ الرحبُ ، ليس تزيـده
                                   إلا حـياةً سطوةُ الأنواء
إني إذا خمدت حيات و انتهى عمري
                                    و أخـرسـتِ المنيـةُ نايي
و خبا لهيبُ الكون في قلبي الذي
                                    قد عاش مثل الشعلة الحمراء
فأنا السعـيد بأنني متحــــــــولٌ
                                  عـن عـــالم الآثام و البغـضـــاء
هذا هو الموقف الحري بنا الاقتداء به ، و ترسم خطاه في هذه الحياة ، "فما نيل المطالب بالتمني ... و لكن تؤخذ الدنيا غلابا " . و " لا يمتطي المجد َ من لم يركبِ الخطرا
                                       و لا ينال العلا من قدم الحذرا
و من أراد العلا عفواً بلا تعبٍ
                             مضى و لم يقضِ من إدراكها وطرا "
 ثم مَنْ مِنَ بني الإنسان ، عبر مسيرة عمره التي قد تطول أو تقصر ، لاسيما ذوي الحجى و الطموح  ، لم يكن ، أو لم يكتشف في يوم من الأيام بأنه ، في بعض أمانيه ، كان بجماليونياً ، و بأنه ، في بعض طموحاته ،  كان فنتازياً و بطلاً دونكيشوتياً ؟!..  
لا أحد على الإطلاق سوى الأنبياء ربما ، و بعض العظماء من المفكرين أو المصلحين ... و حتى هؤلاء لم ينالوا من الانتصار و الخلود ما نالوا ، إلاَّ بعد صبر و مكابدة  لمعاناة تنوء بوقرها الجبال ، بل و بعد تضحيات جسام ، بلغت حد الطرد من الأوطان ،  و حد الحرق و  الصلب ، و شرب السم الزعاف بأيديهم ، فداء للمبادئ و القيم ، و ضريبة آمنوا بدفعها ثمناً لتحقيق ما كان يجيش في أعماقهم من الأماني الخالدات و الأحلام الإنسانية الرائعة .
و الحل ، كل الحل ( كما قال صاحبنا الدرعي ذاته )  في " أن نبحث عن حلم آخر ، تساعدنا الأقدار في الوصول إليه "  كلما تحطم منا حلم أو ضاع منا هدف ... أن ننحت لأنفسنا ألف "جالاتيا " و جالاتيا ، و ألاَّ نقنع أو نكتفي بجالاتيا واحدة ، إذا ما سقطـت مع الزمن أو اندثرت ، سقطنا معها و اندثرنا ، بل ينبغي أن يكون في حياتنا ألف غاية سامية ، و ألف هدف و هدف نبيل ؛ حياة عامرة بالأماني ، و أحلام اليقظة الموحية الرفيعة ؛ لأنه حينئذ ، و حينئذ فقط ، نكون أهلاً للحياة و صناعتها و معانقة آفاقها الرحبة اللامتناهية ، و عندها و عندها فقط يكون لوجودنا طعماً ، و مبرراً و معنى .
" نعلل النفس بالآمال نرقبها
                               ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ."

                     زهران بن زاهر بن حمود الصارمي
الجمعة  7/5/2010

                                                                 

      

المقدمة التي كتبتها لمهرجان صلالة للعام 2010 عند مشاركة ولاية إزكي في فعالياته
سلامٌ لكَ يا سمحانُ منا ... و من جرنانَ زهرُ  الياسمينا
سلامٌ للروابي ، للجبال الشُّمِ ، أرضَ الأنبياءِ الطاهرينا
 سلامٌ لصلالةْ و لمرباطٍ و طاقةْ
                               و لضلكوتٍ و رخيوتَ العرينا
سلامٌ لكموا أهلَ ظفـــــــــــــــــارِ المجدِ رمزَ الأكرمينا 
سلامٌ لكموا يا من شَرُفنا        بلقياكم فنعم الحاضرينا
سلامٌ ضمَّخَ الأرجاءَ عطراً ... فنزجيه لكم مهما نأينا
فعشتم في الحياةِ حياةَ عزٍ  .... و دمتم يا إلهي سالمينا
إنه ليوم من أيام العز و الفخار ، و يوم من أيام السعد و المجد
التي طالت أشواقنا لها و الانتظار ، هذا اليوم الذي تلتقي فيه أمجاد إزكي و ظفار ، على ثرى سهل أتين ، حيث الأصالة و الكرامة و الحنين ، لذلك الماضي التليد ، الحاضر بيننا اليوم ، بجلاله وجماله الرصين ، رغم طول المسافات و آماد السنين ، فكانت بتجلياته اليوم هنا خير شاهد ، بأننا في الأرومة نسل واحد ، أسكنا شمالاً أم جنوبا ، كلنا أحفاد مالك و ابن ماجد ، و أبناء  ماجان الغبيرا ، أو مزون
في ليلة ، كأنها من ليالي ألف ليلة و ليلة  ، نحكي لكم بها ، ما خلف أجدادنا الأفذاذ للأحفاد  ، من مآثر خالدات لا يطالها النسيان  ، مهما تباعد الزمان و المكان ، في الفنون و العلوم أو ما اجترحته يد الإنسان  ، بإرادتها الحديدية ، و بسواعدها السمر الأبية ، من صور المشغولات اليدوية ، و من الحرف التي باتت تعرف الآن بالحرف التقليدية ، فاسمحوا لنا بداية ، أن ننقلكم للمكان ، قبل انتقالنا بكم لغابر الأزمان ، و استعراض إبداعات هذا الإنسان فيه ، فالمكان ، هو تلك الولاية العريقة ، التي حملت ذات يومٍ اسم جرنان ، نسبة إلى صنم من ذهب ، كانت تعبده القبائل في زمان الجاهلية ، موجود حتى الساعة ، كما تحكي الأساطير، في كهف بها شهير ، يحمل اسمه  ، أي كهف جرنان ، و عندما أنعم الله على عمان بنعمة الإسلام ، كان أهل  هذه الولاية أول من دفع الزكاة طائعين ، في عهد جيفر و عبد ابني الجلندى ابن مسعود ، فسميت من حينها بإزكي ، و هي ولاية من ولايات المنطقة الداخلية الثماني ، تعد الثالثة في مساحتها البالغة 2500 كم مربع ، و الرابعة في عدد سكانها البالغين الآن قرابة الخمسة و الأربعين ألف نسمة . متوزعين على ما يزيد عن 75 قرية ؛ أشهرها ، قرى النزار و اليمن و مغيوث و سدي و حارة الرحى ، و إمطي و القواريتو زكيت و القريتين و سيماء وأختها مقزح و هما القريتان اللتان جاء منهما المثل العماني الشهير " سيما خت مقزح " ، الذي ندلل به على تشابه الأشياء ، و قرى عديدة أخرى تنضوي تحت مسمى بلدان العوامر .
أما موقعها ، فموقع الواسطة في العقد الفريد ، فهي تتربع على عرش  قلب المنطقة الداخلية ، حيث تتضافر في بيئتها الطبيعية تضاريس الجبال و الصحاري و السهول ، كما تجمع ، من ثم ، في حياتها و تقاليدها الاجتماعية ، بين البداوة و الحضر.
     فجغرافياً ، يتوج هامَها من الغرب ذلك الجبل الأشم ، المعروف بالجبل الأخضر ، و في جزء من ذلك الغرب  ، تحاذيها بيضة ( أي خوذة ) الإسلام نزوى ، مهد العلم و العلماء ، و إحدى العواصم التاريخية الكبرى لهذا الوطن الجليل ، و من الشرق المضيبي بفيافيها الجميلة ، و مضارب الخيل الأصيلة ، و من الشمال تناغيها الفيحا  سمائل ، تلك التي بها على مدى الأيام ، ( كما يقال ) ، نخل الفرض مائل.
    أما من الجنوب فتهب عليها نُعامى ، أي رياح الجنوب ، تهب عليها من بلاد كثيرة العطايا و المنح ، فهي منح .
و في الطرف الشرقي من هذا الجنوب ، تعانق إزكي مهد البوسعيديين الكرام ، أدم  ، حيث الشهامة في بواديها ، و حيث الإباء و الشمم .
و إزكي تعد من أقدم الولايات بالمنطقة الداخلية ،بل لعلها أقدمها على الإطلاق ؛ فهي أقدم تكويناً من مدينة نزوى التاريخية ، التي نشأت قبل ما يقارب الستة آلاف و خمس مائة سنة ، حسب ما رواه السالمي في كتاباته ؛ و تحكي مخطوطة بمتحف اللبان بالبليد ، بأن إزكي قد تأسست بها أول مملكة  في الشمال ، تدعى مملكة قير، حيث ازدهرت فيها الحياة حينا من الزمن ، و كانت محط رحال القوافل التي تجوب المنطقة  ، في الجهات الأربع .
و إزكي في شكلها الحالي ، أسستها ، ما قبل الإسلام  ، القبائل العربية اليمنية و النزارية ، المتدفقة في هجراتها الأولى إلى عمان و هذه القبائل لم تزل آثارها و أجيالها ، موجودة في القريتين التوأم ، المعروفتين اليوم بالنزار و اليمن .
لذا تزخر الولاية بالعديد من المعالم الأثرية و التاريخية ، و المزارات  السياحية المتنوعة ، ما بين قلاع و أبراج و أسوار و حصون ، إلى الأسواق و الجوامع القديمة و الكهوف ، وإلى الأودية و الأفلاج ، التي قيلت بها الأمثال ، كقولهم :- بأن أشهر الأفلاج في عمان ، كانت ذات يومٍ  ، سمدي سمايل و حدقي امطي ، و دارس نزوى و ملكي ازكي ، غير أن هذين الفلجين الكبيرين ، الحدقي و الملكي ، دمرهما الغازي العباسي ، محمد بن نور ، ا لذي لقبه العمانيون ، و خاصة الإزكويون منهم بمحمد بن بور ، لما عاثه من فساد في البلاد ، و لما خلفه من خراب ، في القرى التي قاومته و استعصت عليه ، فطمس الحدقي ، و لم يبق من ينابيع الملكي إلا النزر اليسير .
 و لطمس الأفلاج حكاية طريفة تُروى ، خلاصتها ، أن محمد بن بور هذا ، سأل راعية كيف له أن يمنع المياه من التدفق من عيون                الفلج ، فقالت له : عليك بالصوف ، فرد عليها : إذن جعدش  ، فرمى خرافها و غنمها في عين ذلك الفلج ، و صارت الحادثة مثلاً يروى ؛ قالت الصوف ،  قال جعدش ، فكان جزاؤها كجزاء سنمار في الأمثال العربية .
و عموماً ؛ فإن عدد الأفلاج  ، حسبما جاء في كتاب أحمد الدرعي
" إزكي الإرث التاريخي و الإنجاز المعاصر" ، بلغ 111 فلجاً الحية منها 58 فلجاً ، و الميتة 53 فلجاً ، و هي متنوعة المصادر ، فمنها الداوودية التي تنبع من الجبال ، و منها العينية التي تنبع من العيون ، و منها الغيلية التي تنبع من الغيول ، الناشئة عن جريان الأودية  .
و من بين أعجب هذه الأفلاج فلجان ؛ فلج يدعى فلج الجن ، لأنه لا يُعرف مصدره ، و يوجد في قرية تدعى بحبل الحديد . و فلج يدعى فلج المتَّرك ، لأنه لا يظهر بعد جريان الأودية على مصدره ، إلا بعد مرور أربعة أشهر و عشرة أيام ، و هي الفترة التي تقضيها الأرملة في العدة  ، و يوجد في قرية تدعى السليمي .
و بإزكي  أكثر من 45 وادياً ، أشهرها وادي حلفين , و قنت و وديان إمطي ، و القريتين و الحجر ، و مسدود و السليل و سيما و مقزح و مقوع .
و إزكي منطقة زراعية ، تشتهر بزراعة النخيل على اختلافها و الخضروات و الفواكه ، لاسيما العنب الذي تشتهر به قرى إمطي و القواريت .
و لقد مارس العماني في هذه الولاية ، شتى الأعمال والصناعات و الحرف التقليدية  ، كمصدر من مصادر الدخل يومها ، و كإسهام حضاري منه ، بصنع و ابتكار الأدوات اللازمة لعمله فيها ، فكانت هناك الزراعة والصياغة و الحدادة و النجارة  ، و الغزل و النسيج و كانت هناك المشغولات اليدوية و الحرف التقليدية ، القائمة على الاستفادة من المواد الخام التي تتوافر في البيئة المحلية  ، كالسعفيات و الصوفيات ، و الغزْلِ و النسيج ، و صناعة الجلود ، و البارود . و قد اشتهرت بعض قرى هذه الولاية ببعض الصناعات إلى حد اعتبارها رمزاً للجودة " كالإزار القريتاني " نسبة للقريتين التي يصنع فيها .

و الآن ،  إلى نوع من الغناء ، يشبه النانا المعروف في الجنوب ، إنه غناء التعويبْ ، وهو فن من الفنون النسائية الذي تشتهر به ولاية إزكي ، وتقوم النساء بأدائه أثناء جمع الحطب أو الحشائش من الجبال. و هو غالباً ما يؤدى بين شخصين من جنس واحد أو من الجنسين ، كل منهما يرد على الآخر ؛ فيه انعتاقٌ وبثٌ للهموم و الأشواق  ، أو مناجاةٌ للأحبة الغائبين  ، و تذكُّرٌ لسويعاتِ اللقاء السعيد ، أو لحظات الفراق الأليم . فلعل الهدف من أداء هذا الفن هو الترويح عن النفس ، ومحاولة التغلب على مشقة العمل ، وتمضية الوقت في متعة و سرور ، فلنعشِ النجوى ،  ولنستمع لشجو هذا الفن و أشجانه .
و ختاما لكموا منا سلام و تحية
                                             أيها الأحباب في ، هذه الأمسية
فعساكم قد سعدتم ما  سمعتم
                                                 من فنون علّها كانت شجية
و عسانا في سنين قادمات 
                                              نلتقي يوماً و نُهديكم هدية
من كنوز الأزد في إزكي المعالي
                                                تتحلى  بالمعاني الأخوية فجزيلُ الشكرِ لكموا منا ومنكم
                                           نرتجي العذر ، إذا قصرنا شوية


أيها التاريخ سجِّلْ
1) أيها التاريخُ سجلْ بالذهـبْ
                          أن الغـبيـرى نهضت و الكلُّ هـَبْ
2) هـبَّ يسعـــى نحــوً آفـاقِ الـعـــلا
                          فسمت فوق الـثريا و الـسـحــب
3) و غدت ماجانُ نجماً ساطعاً
                            في سما الـدنيا و ما بين الشـهـب
4) فلها بالأمسِ مجـدٌ سامقٌ
                            شهَـدَ الـدهـرُ عـليـه بالـعـجــب
5) عن سفينٍ شق أمواجَ البحارْ
                             ساد يوماً و حمى أرضَ العرب  
6) و قلاعٍٍ شامخاتٍ لم تزل
                          تحكي بطولاتِ العماني إن وثب
7) وثبةَ الأُسْدِِ على مَن يجتري
                          مِـن حِـمـاهـا أو عـدواً  يـقـتـرب  
8) و لها باليوم مجدٌ طارفٌ
                                سطَّـره  قابوسُ في كـل أرَب
9) في صروحِ العـلمِ في نهضتها
                                   في علوم الفكر في كل أدب
10) في بُنىً تحـتـيـة شـامـلـة   
                                  نجتني خيراتِها جني العنب
11) من دروبٍ آمنات و مشافٍ   
                                 في قُرانا تجتلي شر الوصب  

12) و بها نحيا بأمنٍ و أمانٍ   
                              في رفاهٍ دون خوفٍ أو نصب      
 13) كلَّ عـامٍ لبلادي موعـدٌ  
                          مع شعاع الشمسِ أو عينِ اللهـب
14) فترى النورَ كساءً  للمغاني  
                              و ترى عرساً بهيجاً و طـرب
15) هو ذا موكبُ العاهـلِ فيها
                               مثل غيث في الروابي ينسكب
16) كلما حل بدارٍ أزهرت   
                        واخضوضرت فيها الفيافي بعد جدب
17) هذه قرية إمطي  اليوم صارت
                               رمزَ فخرٍ ، دفقَ خيرٍ ما نضب
18) فثلاثٌ من صروح العلم فيها
                            جسدت  خير  الأمـاني و الطلـب
19) بالأمس كانت محض حلم في الكرى
                            و بها اليوم احتفينا واقعاً أما و أب  
20) فلتعيشي يا عمان المجد دوماً
                           و لـيـدم سلـطـانـنا و مــا يـهِـــب
                           

زهران بن زاهر بن حمود الصارمي


12/12/2009




10/9/1997 
شكراً لأهل بدية
شكراً لكم من عمق أعماقي الشجية
                                 يا كرام الصحب من أهل بدية
شكراً لكم فُقتم بقلبي كل وصفٍ
                               كرماً و طيباً و إباءً و حمية 
شكراً لكم ، كانت حياتي بينكم
                                أنساً و لطفاً و سويعات هنية
شكراً لكم كنتم لروحي نغماً
                              هيج الأشجان والذكرى لأيام ندية
سوف يبقى ذكركم وسط قلبي
                                    ما بقي عمري بهذي الأبدية
كيف أنسى ذكرياتٍ حفرتها في خيالي
                               أمسياتٌ حالماتٌ في الرمال الذهبية
كلما هبت رياح الكوس يوماً
                          ذكرتني راكةَ الحسن و أنسامَ الحوية
يا خليلي لا تلمني إن بكت عيني على
                          من غدوا للروح زاداً و رفاقاً و هوية

آه لو كان الحشى يُهدى للناسٍ
                                  كنت قدمت فؤادي لكموا مني هدية
يا دياراً عشت فيها في خيالي
                              قبل أن آتي إليها من سنين سرمدية
لكِ مني كل آيات الأماني
                       أن تعيشي أبد الدهر كما أنت حَــرِية
نجمةً فوق الثريا تتسامى
                                و تدومـي مـثلـما أنت فـتيـة
فسلام الله دوماً لكِ مني
                  و مدى العمر ستبقين بقلبي يا بدية 


زهران زاهر حمود الصارمي 

ديوان " حين يغرد طائر الحب " للشاعر سعود الصقري 
·       قبل قرابة السنتين قرأت لهذا الشاعر ديوانه " مرافئ الشوق " ... و كانت لي معه و قفة و قراءة شبه نقدية في مقالة كان عنوانها " مرافئ الشوق .. و أشواق المرافئ "
و اليوم قرأت له هذا الديوان الآخر " حين يغرد الحب " و كان جلياً التطور ، بل  الطفرة النوعية التي أحرزها الشاعر في مسيرته الشعرية ، بما تبدى في ثنايا أبيات قصيده من نضج في التجربة ، و قوة في التعبير ، و رهافة في الحس ، و صدق في المشاعر . و ليس أدل على ذلك من الهمسة الشاعرية الرائعة التي أهداها لجمهور قرائه في مقدمة ديوانه :-
" أيها الجمهور أهديك السلام .... من محب دنف ذاق الغرام
ذاب وجداً ذاب شوقاً و اكتوى ..... بهوى ليلى و لبنى و سهام
فاسمحوا لي إن تعيشوا ساعةً ..... في مروج الورد أو شدو الحمام "
و لقد قبلنا في جذل هديته ، و سمحنا ان نعيش ساعة معه ، و كانت بالفعل في عالم تحفه مروج الورد و تصدح في جنباته البلابل و الحمام .... فتبين لي بعض وجوه المقارنة بين الديوانين .
ففي " مرافئ الشوق " كان الوهج الشعري ، وفي " حين يغرد الحب " كان اللهب ..... هناك كان الصدى ، صدى العواطف و المشاعر في البيان و اللسان ، و هنا كان أصل الصوت الصادر من أعماق النفس و الوجدان .
بالأمس ، في ديوانه مرافئ الشوق ، كان السندباد الذي طوف الآفاق و ارتاد المرافئ و الموانئ و الشطآن ، و لكن على سفين كثير من مجاديفها مستعارة من ربابنة البحور الشعرية ، الأقدمين منهم و المعاصرين .
فهو مثلاً حين قال :- " و لقد ذكرتك و الدموع نوازل
                                                    من فرط بعدك يا سعاد تسمعي
فإنما هو يستوحي الفكرة من قول عنترة :-
و لقد ذكرتك و الرماح نواهل ...... مني و بيض الهند تقطر من دمي "

و حين يقول :" بكيت دماً يوم الفراق و ليتني
                                           أموت و لا تمضي سليمى إلى غيري  "
فإنما هو يستعير فكرة بيت شعر الوليد بن يزيد الذي صور فيه رد حبيبته على عتابه للحناء الذي خضبت به  يدها في غيابه :-
" بكيت دماً يوم النوى فمسحته ..... بكفي فاحمرت بناني من دمي "
و حين يقول " فربي جميل يحب الجمال ... و أنت الجمال كما قد يكون "
فإنما  هو يقتبس قول أبي نواس في عتابه لربه ، إن جاز له العتاب !:
"إلهي خلقت الجمال لنا فتنة ..... و قلت لنا يا عباد اتقوا
" أنت الجميل تحب الجمال ..... فكيف عبادك لا يعشق "
أما اليوم ، فصار شاعرنا طائراً محلقاً في سماوات الشعر و الإبداع ، يتنقل في دوح رياضه الغناء من فنن إلى فنن معتمداً على جناحيه و ما بهما من القوادم و الخوافي .
في " مرافئ الشوق " طربنا لوشوشات الصبى و صهيل خيل ريعان الشباب ،
" فهياَ و هياَ و للحب هياَ ..... و هياً نغني كعزف الوتر "
سوى الحب لالا و لالا و لالا ...و لا .. لا لسواك يزيل الكدر "
و في " حين يغرد الحب " أمتعنا بتجليات سويعات الأصيل و الذكريات التي تنثال  عند وداع الأحبة و الرحيل :-
" أسافر في مساءاتي وحيداً .... فلا ألقى سوى فجر كذوب
فما أشقى الحياة بلا حبيب .... يسافر بي إلى روض قشيب
رحيل زاد من ألمي و همي ... و هجر لم يزد إلا لغوبي
فمن لي بعد ليلى يحتويني .... يخفف لوعتي .. يجلو كروبي "
هنا أقول لشاعرنا كما يقول سكان البوادي لكل ملتاع من الأحبة  :- " يا عونك " فتلك هي طباع الحب يا شاعر ، و تلك سماته و عاداته ... نار تتأجج حيناً ثم تخبو
و زهر يونق أحيناناً ثم يذوي ، و ناياً يشنف الآذان و يطرب الوجدان بعض يوم ثم يخرس تاركاً خلفه صمتاً مدوي .... و احة خضراء وارفة الظلال في صحراء الحياة ، يستريح في أفيائها  ، و يسترجع أنفاسه عابر السبيل الذي سرعان ما يغادرها ليستأنف المشوار بحثاً عن المجهول أو الأفضل و الأجمل في كل الأمكنة  و الأزمنة و الشخوص المتصلة بحياته مسيراً و مصيرا .!!!

زهران زاهر الصارمي
20/6/2009
   


ماذا بعد خمسة وثلاثين عاما من عمر النهضة العمانية
سؤال ما هي الأشياء الإضافية الأخرى التي تتمنى أن تتحقق في بلادنا عمان بعد 35 عاما من عمر النهضة المباركة ، سؤال أكثر من رائع ، وينطوي على أبعاد هادفة وهامة كثيرة، وهو سؤال جريء يضع الإصبع فوق الجراح، وبالتالي تتطلب الإجابة عليه في صدق وشفافية الإيمان بأن خير الوطن وطموحاته المستقبلية النبيلة هي فوق كل اعتبار آخر. وكثيراً ما كانت مسيرة التغيير والتطوير في حياة الأوطان والأمم محفوفة بالأشواك والأخطار والألم. إنه الطموح للأحسن والأفضل.
(ومابلغ المطامح غير ساعٍ          يردد في غدٍ نظراً سديداً)
       والطموحات تعبر هي تعبير عن تلك المتطلبات التي تفرضها ضرورات المواكبة للركب الحضاري المتسارع.
(وما نيل المطالب بالتمني           ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منالٌ        إذا الإقدام كان لهم ركابا)
       والطموح سعيٌ للرقي والتقدم والمجد.
ولا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا              ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب               مضى ولم يقضِ من إدراكها وطرا
 عموماً فإني كمواطن عماني أتمنى أن أرى بلادي تخطو خطوات جادة نحو تحقيق الرؤى والغايات التالية :-
أولا: المراجعة النقدية الهادفة البناءة لمجمل الموروثات التقليدية والاجتماعية الفكرية منها والسلوكية المتصلة بمنظومة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع ، ومن ثم العمل بشتى السبل الممكنة على الأخذ بالإيجابية منها القابل للموائمة وروح العصر، وطرح أو بالأحرى الخروج من إيسار مالا يتناسب ومعطيات الزمن المعاصر.
ثانيا : دراسة أسباب التقدم والازدهار في البلدان المتقدمة المتطورة وبالتالي العمل على الإستفادة من تلك الأسباب بتبني ما يتناسب منها والبلاد لإحداث النقلة النوعية المطلوبة لهذا الوطن وذلك عبر تشكيل لجنة عليا متخصصة في كافة أوجه الحياة والنشاط الإنساني من ذوي العقول والأخلاق الوطنية.
ثالثا: التعليم/ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد كلاهما فعليه بالعلم" . وكما قال نيتشه: (إذا أردت أن تبني مجتمعاً فعليك بالتربية وإذا أردت أن تهدم مجتمعاً فعليك بالتربية أيضاً). والجاهل عدو نفسه، كما أن الجهل موت قبل وقت الأجل وأنصاف المتعلمين فيهم من الخطر على المجتمع أكثر مما فيهم من الخير له. فكما قالت الحكمة الإنجليزية: little learning is a dangerous thing لكل تلك العوامل احلم بأن أرى في بلادي شعباً من حملة الشهادات الأكاديمية العلمية والمهنية وهذا أمر ممكن التحقيق لو أتخذت الخطوات التالية على مستوى التعليم في بلادي:
1-    إنشاء جامعة حكومية أخرى لاستيعاب الأعداد المتزايدة من مخرجات الثانوية العامة.
2-    تخفيض نسبة القبول في الجامعة والكليات الأكاديمية المختلفة لزيادة أعداد المنتسبين إليها.
3-    إتاحة فرصة الدراسات العليا لشتى العلوم بجامعة السلطان قابوس.
4-    تخفيض سن القبول المدرسي لطلبة الأول الابتدائي من 7 سنوات إلى 6سنوات.
5-  تبني فكرة الدراسة التخصصية من بعد المرحلة الابتدائية مباشرة أي بعد السنة الدراسية السادسة بحيث يدرس الطالب وفق ميوله وتوجهاته العلمية والأدبية دون اضطراره لدراسة المراحل الأخرى وضياع سنين من العمر بلا معنى. فالطالب الموهوب في الرياضيات يتخصص في دراسة الرياضيات وصاحب الموهبة في الرسم يتخصص في موهبة الفنون الجميلة من هذا العمر المبكر.
6-  تعزيز الدراسات الأكاديمية المهنية في السلطنة بإنشاء المزيد من كليات التقنية. وتخفيض نسبة القبول بها تضم أكبر عدد ممكن من مخرجات الثانوية العامة
7-  العمل على اكتشاف مواهب الطلبة وتنميتها عبر رعاية الموهوبين منهم والأخذ بيدهم بشكل عملي وعلمي مبرمج.
8-    إنشاء كليات ومعاهد الفنون الجميلة بشتى مناطق السلطنة.
رابعاً :- على الصعيد الثقافي أتمنى :-
1       ) إقامة المكتبات العامة بكافة ربوع البلاد وتشجيع المجتمع بشتى فئاته على ارتيادها.
 2)إقامة النوادي والمنتديات الثقافية المختلفة لتكون المتنفس الثقافي والمكان الخصب لولادة الفكر ونشر الثقافة.
3       ) إعطاء المزيد من حرية التعبير في الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة . فلن يصح في نهاية التحليل غير الصحيح ، " أما الزبد فيذهب جفاء ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " و نحن نعيش عصر صار العالم فيه قرية واحدة ، فلا مجال بل و ليس من الحكمة بمكان التعتيم فيه أو تكميم الأفواه .
خامسا :- على المستوى الصحي أتمنى التالي :-
1)    تعزيز الرقابة الطبية ، و إيجاد القواعد الضابطة لها .
2)    تطبيق نظام الجودة الشاملة في كافة مؤسسات الرعاية الصحية .
3)    إنشاء مركز للإسعاف الوطني .
4)    إنشاء مركز متكامل للدفاع المدني بكل ولاية .
5)    أنشاء دور لرعاية المسنين و العجزة بكل منطقة من مناطق السلطنة .
سادساً :- على الصعيد الاقتصادي أتمنى
1)    رفع أجور العاملين ليتمكنوا من مواكبة متطلبات ظروف الحياة المتجددة .
2)    إيجاد فرص العيش الكريم لكل محتاج قادر على العمل .
3) إعطاء المزيد من الفرص للاستثمار الأجنبي في البلاد ، لا سيما في مجالات المشروعات و الأعمال التنموية التي توفر الكثير من فرص العمل للشباب العماني .
4) السعي الجاد نحو خلق و امتلاك الصناعات الثقيلة ، أي امتلاك الآلة المنتجة للآلة . بحيث يصبح البلد سيداً للصناعات القائمة فيه .
5) العمل الحثيث و الجاد نحو تنويع مصادر الدخل الوطني , وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل . ( كتفعيلة السياحة ، و استغلال الطاقة الشمسية كبديل للطاقة الكهربائية المولدة بالنفط و الغاز )
خامساً : على الصعيد الاجتماعي أتمنى التالي :
1)    تعزيز معاشات الضمان الاجتماعي لتتمكن تلك العوائل من العيش الكريم .
2) تخصيص دعم مالي معين  لكل راغب في الزواج من الشباب ، و ذلك كعون من الحكومة في حل مشكلة العنوسة الآخذة في التفاقم في البلاد .
3)    إنشاء المزيد من الحدائق و المتنزهات العامة في كل ولاية من ولايات السلطنة
                   
                زهران زاهر حمود الصارمي
       ولاية إزكي – إمطي – 12 / 7/2005