السبت، 26 مايو 2012

أراجيف القوى المضادة للثورات العربية المعاصرة




أراجيف القوى المضادة للثورات العربية المعاصرة
تزايد النواح و الصياح و الترحم ، من بعض الأقلام ، في الفترة الأخيرة على عميد الأنظمة العربية الوطنية ، و قلعة الصمود و النضال و الممانعة ، الواقف ، بشعاراته الثورية و القومية الطنانة الرنانة ،  في وجه الأطماع الاستعمارية و الصهيونية بالمنطقة ؛ النظام السوري الجمهوري – الأوتوقراطي الشقيق ، و تعالت أصوات القوى المضادة للحراك الجماهيري في الوطن السوري ، بالشجب و التشنيع و إلصاق شتى أنواع التهم به ، و بالندب و الرثاء على نظام الأسد المغدور ، إلى حد يوحي للعرب بضرورة التعاون و التكاتف معه في وأد هذه الإنتفاضة الشعبية و إطفاء لهيبها المتصاعد ، مخافة أن يعضوا على أصابعهم ساعة لات مندم  ، و يرْثونه على لسان الفتى العربي الذي قال  :-
" أضاعوني و أي فتى أضاعوا .... ليوم كريهة و سداد ثغر "
أي نعم ، هو نظام أثبت أنه ليوم كريهة في المجزرة التي قام بها ضد مواطنيه في حماة بحلب في العام 1982 ، و التي راح ضحيتها حسب أقل التقديرات 10 ألاف قتيل ، و 30 ألفاً بين جريح و مفقود 20 ألف سجين ، و 100 ألف نازح  ؛ و كان من قبل ذلك في العام  1976 قد سد ثغرة في مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين بلبنان ، فأباد منهم ، بمباركة أمريكية و إسرائيلية ، و بالتعاون مع الميليشيات اللبنانية اليمينية 3000 ثلاثة آلاف فلسطيني معظمهم من النساء و الأطفال ،،،  ثم هو الآن لم يأل جهداً في الذود عن عرشه بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة التي لديه ، فسحق 12 ألفاً ممن يحملون اليافطات المناوئة له و يهتفون في الشوارع بسقوطه ، و ترك أضعاف هذا العدد من الجرحى و السجناء و المشردين ممن تجرأ على قول " لا " في وجهه من أبناء الشعب الذي يحكمه  ..... و لكنه نظام رغم كل الرهانات ، و كل الشعارات و العنتريات الخطابية ، لم يقتل ذبابة إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة منذ الخامس من حزيران 1967 أي منذ 45 عاماً ؛ بل و إن إسرائيل ، في استهانة فاضحة و مُذِلة ، تصول و تجول و تعربد في سماء و أرض و بحر هذا البلد و تستبيح حرماته ، في ظل هذا النظام ، دونما أدنى وازع أو رادع ؛  فدمرت ،  في الخامس من أيلول 2007 ، و في وضح النهار في دير الزور منشآت ما يسمى بالمفاعل النووي السوري ، ثم ، في العام التالي 2008 ، اغتالت المسؤول عنه ، العميد محمد سليمان ، بفرقة كوماندوس إسرائيلية ، نزلت و كأنها تتفسح في مدينة طرسوس الساحلية ، و من بعده ،  في 9 إبريل 2011 ، اغتالت في قلب دمشق ، القائد العسكري  لحزب الله عماد مغنية ، دون أن يحرك هذا النظام ساكناً ، سوى الشجب و الوعيد الذي يذكرنا بقول جرير في الفرزدق :-
" زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ..... أبشر بطول سلامة يا مربع "
        هو نظام ليس فيه ما يميزه عن غيره من الأنظمة العربية الفاسدة المهترئة ، سوى استغلاله لوقوعه في محاذاة الحدود مع إسرائيل ، لتبرير قمعه و سحقه لكل الشرفاء و الأحرار الساعين للعدالة و الحرية ، برفعه شعار " لا صوت يعلو على صوت المعركة و الحرب القومية المقدسة " الوهمية ، التي يدعي الإعداد لخوضها  منذ قرابة النصف قرن من الزمن ؛ و بالتالي تحويل الشعب السوري بين سجين و مهاجر و طريد و شحاذ أو مرتش ، أو مداهن أو مرتزق ، أو مرتبط طبقياً بأركان النظام الفاسد .
الأسباب الكامنة خلف الهجمة الإعلامية
على الثورات العربية المعاصرة
فلماذا إذاً كل هذه الهجمة الإعلامية الشرسة على الثورات العربية المعاصرة بوجه عام ، و الثورة السورية بشكل خاص  ؟ ما الذي يحرك هذه الأبواق ليعلو صوتها فوق صوت الحق و العقل و المنطق ، إلى الحد الذي بات معه بعض الكتاب يرى بأن ما يحدث في أرضنا العربية هو ليس بالثورة ، بل بالمؤامرة ، و أن ما أطلق عليه العالم بالثورة العربية ، بالتوازي مع الثورات العالمية الأخرى  ، و بالربيع العربي ، هو ليس إلا خريفاً عربياً و ربيعاً إسرائيلياً ؟!
إن ما يقف خلف كل ذلك الصراخ ، و هذا الطعن و التشكيك ،  هو القانون الأزلي القائل بأنه لكل فعل رد فعل يوازيه في القوة ويعاكسه في الاتجاه ؛ فلكل ثورة ،  ثورة مضادة ، و لكل حراك بشري في اتجاه ، حراك بشري مضاد في الاتجاه الآخر . كما أن لكل حكم أو نظام مهما كان نوعه و فساده ، بطانته و أنصاره و أعوانه ، بعضهم ممن يتقاسمون معه المائدة ، و بعضهم ممن يعيشون على فتاتها ؛ و طبيعي أن يرى هؤلاء القوم أن مصيرهم مرتبط بمصير النظام المرتبطين به ، وجوداً أو زوالاً ، انتصاراً أو انهزاما ؛ فهم و إياه في خندق واحد . فيطلقون النار و السهام على كل من يقترب من حماه ، فهي بالنسبة إليهم معركة موت أو حياة .... و من يقرأ التاريخ  ، يرى ترجمة هذا القول في كل المحطات و المنعطفات الكبرى في التاريخ البشري ، بما في ذلك تاريخ الرسالات السماوية، و ما لاقته من عنت المتنفذين في المجتمعات التي نزلت بها ، إلى مستوى الحرق و الصلب للمبشرين بها ، كما حدث لإبراهيم و المسيح عليهما السلام ، و مستوى الطرد و القتال ، كما حدث  للإسلام ، من غزوات الدفاع و الفتح  ، في زمن الرسول محمد ( ص) ، إلى حروب الردة ، التي خاضها أبوكر الصديق و خالد ابن الوليد .
إن كلمة  " الثورة " تعني في القاموس السياسي و الفكري و التاريخي البشري ، التغيير الجذري للواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الفاسد  لأي بلد تقع فيه ؛ و إحلالها بقيم ثورية مغايرة ، متجددة و متطورة ، تنقل المجتمع إلى وضع أفضل و أروع مما كان عليه سابقاً ... و الثورة انفجار كانفجار البركان ، له عوامله الطبيعية ، و له لحظة انفجاره التي لا تستطيع قوة في الأرض رده أو إجهاضه ، عند اكتمال عوامله . كذلك هي الثورات في المجتمعات البشرية ، لا تحدث إلا عندما يبلغ السيل الزبى ، و تتساوى في أنظار القاطنين بهذا البلد أو ذاك عناصر الموت و الحياة ، بل و قد ترجح في نفوسهم عناصر الموت ليصبح راحة لهم من المذلة التي يعانونها ، فيكون لسان حالهم عندها كما قال المتنبي :-
إذا لم يكن من الموت بد  .... فمن العار أن تموت جبانا .
فينطلق المارد من قمقمه و في نفسه تجول مقولة  :-
فإما حياة تسر الصديق ..... و إما ممات يغيض العدى  ، الذين حرموه نعمة الحياة الحرة الآمنة الكريمة . فيكون ما يكون من لحظة انفلات العقل من عقاله ، و الحال الذي يترجم القول العربي الشهير:- بأن يوم المظلوم أشد على الظالم من يوم الظالم على المظلوم ، و يغدو كموج تسونامي الذي يكتسح كل شيء أمامه فلا يبقي و لا يذر . و تلك هي الحال التي ولدت كل الثورات العالمية الكبرى ، كالفرنسية و الروسية و الصينية و الإيرانية  ، و ما أعقبها من فوضى عارمة ، ثم من هدوء و التقاط للأنفاس ، و ترتيب للأوراق ، ثم من بناء و تشييد حضاري و إنساني رفيع على أنقاض العروش المتهاوية .
و الثورات العربية المعاصرة لا تشذ ، في مسيرتها ،عن هذه القاعدة و عن هذا السيناريو التاريخي ، سبباً وغاية و نتيجة .
فما تنفثه من سموم ، و ترجف به أقلام و عناصر الطابور الخامس عن هذه الثورات الأصيلة ، من أنها ليست أكثر من مؤامرة يراد بها زعزعة  الأمن و الاستقرار في المنطقة ، و أن قواها المحركة تفتقر للرؤية و التجربة السياسية ...و أن من يقوم بها هم فقط من الرعاع و الجياع ، و أن نتيجتها لن تكون سوى انفلات الأمن و الفوضى ، و أن وراءها القوى الخارجية الطامعة ، كأميركا و تركيا و فرنسا و إسرائيل.... كل تلك الأقوال المغرضة الهزيلة تنضوي تحت شعارات الحملة المضادة لهذه الثورات ، و التي من الممكن أن نوجز أبعادها و مضامينها في النقاط التالية :-
الأولى :- هي دعوة تلك الأبواق للشعوب العربية الثائرة بأن
" تصبر على مجانينها ، الطغاة ، لئلا يأتيها من هو أجن منهم " ! ، فليس من داع للثورة عليهم أو إبعادهم عن كراسي عروشهم . بل الخير في استمرارهم ، كما هم عليه !!
الثانية :-  هي تزكيتها لتلك الأنظمة الفاسدة و المترهلة ، بتصويرها بأنها لديها من الخبرة السياسية في قيادة البلاد ، ما لا و لن ، تستطيع امتلاكه  القيادات الشعبية و الشبابية الثائرة  ، فليس من داع إذاً لتغييرها ، و إنما الواجب يقتضي الحفاظ عليها و عدم المساس بالمراكز التي تتبوأها  كوادرها في الدولة !!
أما الحديث عن تلك الثورات على أنها " مؤامرة " ، فهو حديث مجَّته الأسماع ، فما عاد بمستساغ و لا معقول أو مقبول ، من كل ذي عقل و سمع و بصر ، فكيف للشعوب أن تتآمر على أوطانها ، و على نفسها و تموت من اجل الغريب ؟!   نعم ، من الممكن للشعوب أن تتخاذل أو تتكاسل عن الفعل الثوري فترة من الزمن تطول أو تقصر ، و لكنها ، أبداً ، لا تخون ذاتها و أوطانها ، مهما تبدت الصورة غير ذلك عند اختلاف الرأي ، الذي لا يفسد في نهاية الأمر ودها لقضية العدالة و الحرية ... كما أن الأنظمة الفاسدة هي آخر من يحق له الحديث عن نظرية المؤامرة ، لأنها هي ذاتها معدن الدسائس و التآمر و النميمة و المكر الذي حكمت به شعوبها عقوداً من الزمن.
و أما عن الاصطياد في المياه العكرة ، المتمثل في طبيعة موقف القوى الخارجية الداعم لهذه الثورات ، و أشارات الاستفهام و الغمز و اللمز الذي  يثار حولها هنا و هناك ؛ فخير من يجيب عليه هو ونستون تشرشل حين قال :- في قاموس العلاقات السياسية ؛ ليست هناك صداقات دائمة ، و لا عداوات دائمة ، بل هناك مصالح دائمة" فما يحدد موقف هذه القوى من أية قوى متصارعة ، لاسيما في منطقة الثروات الطبيعية الإستراتيجية ،  هو ما يحدده اتجاه البوصلة ، فهي دائما مع من ترى بأن كفته مائلة أو ستميل حتما في الصراع . و لقد أدركت هذه القوى و أيقنت ، بفطنتها و خبرتها الاستعمارية الطويلة ، بأفول نجم هذه الأنظمة المتهالكة ، و عدم قدرتها على الاستمرار و الوقوف في وجه شعوبها الغاضبة و طوفانها القادم  ، فكان منطق العقل و المصلحة ، يحتم عليها أن تمد يدها لهذه الثورات ، كضربة استباقية – إذا جاز التعبير - ، أو كتقديم للجميل الذي قد تضمن به شيئاً من عرفان تلك الثورات المنتصرة لا محالة ، علها تجد لها موطئ قدم في بلدانها بعد حين من الانتصار . و هنا تتقاطع المصالح ، مصلحة الثورات في الاستفادة من كل ما من شأنه ضمان غلبتها و الانتصار ، سيما و أنها عزلاء في صراعها مع   النظام ، الذي وضعها بين مطرقة قواه القمعية الشرسة  ، و سندان الاستعانة حتى بالشيطان لتحقيق هدفها في التخلص من ربقته و نيل العدالة و الحرية... تتقاطع هذه المصلحة  العليا للثورة ، مع أجندة تلك القوى الخارجية في البحث عن موقع لها و لمصالحها بتلك البلدان الثائرة ، بأقل الخسائر الممكنة . علماً بأن هذه أو تلك من الدول " الاستعمارية الطامعة " كانت بالأمس القريب هي الراعية لتلك الأنظمة المستبدة ، و الحامية لعروش حكامها و عربدتهم  الفاضحة .... و لكنها فلسفة
" السياسة الاستعمارية " التي عبر عن جوهرها أحد القادة الألمان
بقوله :- " إن السياسة تستغل كافة أشكال الخيانة ، و لكنها لا تشرف الخونة " ، فلا ترعوي تلك الدول أن تقلب الطاولة على رؤوس أصحابها ، بعد أن تستغل خيانة و عمالة أي حاكم أو نظام بأي شكل من الأشكال في بسط السيطرة و نهب الثروات ، ثم ما تلبث أن ترمي به رمي النواة من التمرة ، بمجرد أن ترى عجزه عن مواكبة الأحداث و الوقوف على قدميه في وجه المتغيرات و الإعصار .
فأي تكسير لمجاديف تلك الثورات و شعوبها  أكثر من تلك الأراجيف  التي تنشر و تشاع ضدها هنا و هناك ..... و لكن تبقى تلك الأراجيف مجرد زبد كالزبد الطافي على سطح البحر ، يصدق فيها قوله تعالى " أما الزبد فيذهب جفاء ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض  " . فليس في تلك الأنظمة التي قامت بها تلك الثورات ما يرتجى نفعه ، و لو كان فيها شيء من ذلك لفعلته في أضعاف المدة التي نفع بها حكم محمد مهاتير لماليزيا ، فصيَّر منها نمراً من النمور الآسيوية . و لقد قامت النهضة العلمية في كل من مصر و اليابان ، مثلاً ، في فترة واحدة ، و أين اليوم مصر من اليابان ؟! فهذه أنتجت كل عوامل البؤس و التخلف لشعبها ، رغم نِيلها العظيم و دخل السويس الكبير ؛ و تلك صارت علَماً من أعلام الحضارة المعاصرة لإبداعاتها الفذة في كل مجال من مجالات الحياة ، رغم فقرها في الثروات المادية و وقوعها في منطقة الزلازل و البراكين.
فأي مبرر ، بعد ذلك كله ، يطرحه المتباكون على تلك الأنظمة العقيمة التي ثارت عليها شعوبها بعد طول معاناة و صبر و مذلة  ؟!



                           زهران بن زاهر الصارمي
                      هاتف : 99206716
abu-shamsan@windowslive.com                  

7/5/ 2012